المرء على قدر دينه. فإن كان في دينه صلابة ، زيد في البلاء ، (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) بالقول والفعل (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على ذلك (وَتَتَّقُوا) أي مخالفة أمره تعالى (فَإِنَّ ذلِكَ) أي الصبر والتقوى (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي من معزومات الأمور التي يتنافس فيها المتنافسون. أي مما يجب أن يعزم عليه كل أحد ، لما فيه من كمال المزية والشرف. أو مما عزم الله تعالى عليه وأمر به وبالغ فيه. يعني : أن ذلك عزمة من عزمات الله تعالى ، لا بد أن تصبروا وتتقوا. وفي إبراز الأمر بالصبر والتقوى في صورة الشرطية ، من إظهار كمال اللطف بالعبادة ، ما لا يخفى ـ أفاده أبو السعود.
قال بعض المفسرين : ثمرة الآية وجوب الصبر. وأن الجهاد لا يسقط مع سماع ما يؤذي.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١٨٧)
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وهم علماء اليهود والنصارى (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) أي لتظهرن جميع ما فيه من الأحكام والأخبار التي من جملتها أمر نبوته صلىاللهعليهوسلم. وفي قوله تعالى (وَلا تَكْتُمُونَهُ) من النهي عن الكتمان ، بعد الأمر بالبيان ، مبالغة في إيجاب المأمور به (فَنَبَذُوهُ) أي الميثاق (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) أي طرحوه ولم يراعوه. ونبذ الشيء وراء الظهر مثل في الاستهانة به ، والإعراض عنه بالكلية. كما أن جعله نصب العين علم في كمال العناية به (وَاشْتَرَوْا بِهِ) أي استبدلوا به (ثَمَناً قَلِيلاً) أي شيئا حقيرا من حطام الدنيا (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) بتغيير كلام الله ونبذ ميثاقه.
قال بعض المفسرين : ثمرة الآية وجوب إظهار الحق ، وتحريم كتمانه ، فيدخل فيه بيان الدين والأحكام والفتاوى والشهادات وغير ذلك مما يجب إظهاره. وقد تقدم هذا ، وإن المراد بذلك إذا لم يؤد إلى مفسدة. ويدخل في الكتم منع الكتب المنطوية على علم الدين حيث تعذر الأخذ إلا منها.
وقال العلامة الزمخشريّ عليه الرحمة : كفى بهذه الآية دليلا على أنه مأخوذ على العلماء أن يبينوا الحق للناس وما علموه وأن لا يكتموا منه شيئا لغرض فاسد من