تسهيل على الظلمة ، وتطييب لنفوسهم ، واستجلاب لمسارهم ، أو لجر منفعة وحطام الدنيا ، أو لتقية مما لا دليل عليه ولا أمارة ، أو لبخل بالعلم ، وعيرة أن ينسب إليه غيرهم ـ انتهى ـ.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من سئل عن علم ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ـ أخرجه الترمذيّ (١) ـ ولأبي داود (٢) : من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة. وقال أبو هريرة : لو لا ما أخذ الله عزوجل على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء. ثم تلا : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ ...) الآية.
لطيفة :
قال العلامة أبو السعود : في تصوير هذه المعاملة بعقد المعاوضة ، لا سيما بالاشتراء المؤذن بالرغبة في المأخوذ ، والإعراض عن المعطي ، والتعبير عن المشتري الذي هو العمدة في العقد والمقصود بالمعاملة بالثمن الذي شأنه أن يكون وسيلة إليه ، وجعل الكتاب الذي حقه أن يتنافس فيه المتنافسون ، مصحوبا ب (الباء) الداخلة على الآلات والوسائل ـ من نهاية الجزالة والدلالة على كمال فظاعة حالهم وغاية قبحها بإيثارهم الدنيء الحقير ، على الشريف الخطير ، وتعكيسهم بجعلهم المقصد الأصلي وسيلة ، والوسيلة مقصدا ـ ما لا يخفي جلالة شأنه ورفعة مكانه ـ انتهى ـ.
ثم أشار تعالى أنهم لا يرون قبح ذلك بل يفرحون به فقال :
القول في تأويل قوله تعالى :
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٨٨)
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) أي بما فعلوا من اشتراء الثمن القليل بتغيير كلام الله تعالى (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) من وفاء الميثاق من غير تغيير ولا كتمان (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ) أي بمنجاة (مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بكفرهم وتدليسهم.
__________________
(١) أخرجه الترمذيّ في : العلم ، باب ما جاء في كتمان العلم.
(٢) أخرجه أبو داود في : العلم ، ٩ ـ باب كراهية منع العلم ، حديث ٣٦٥٨.