هذا المعنى وهو قولهم (القتل أنفى للقتل) بعشرين وجها أو أكثر. وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال : لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق ..! وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك ..!
الأول : أنّ ما يناظره من كلامهم وهو (الْقِصاصِ حَياةٌ) أقلّ حروفا ، فإنّ حروفه عشرة وحروف (القتل أنفى للقتل) أربعة عشر ..!
الثاني : أنّ نفي القتل لا يستلزم الحياة ، والحياة ناصّة على ثبوتها التي هي الغرض المطلوب منه!
الثالث : أنّ تنكير (حَياةٌ) يفيد تعظيما ، فيدلّ على أن في القصاص حياة متطاولة ، كقوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) [البقرة : ٩٦]. ولا كذلك المثل ، فإنّ اللام فيه للجنس ، ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء!
الرابع : أنّ الآية فيه مطّردة ، بخلاف المثل ، فإنه ليس كلّ قتل أنفى للقتل ، بل قد يكون أدعى له ، وهو القتل ظلما.! وإنما ينفيه قتل خاصّ ، وهو القصاص ، ففيه حياة أبدا ..!
الخامس : أنّ الآية خالية من تكرار لفظ القتل الواقع في المثل. والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلا بالفصاحة ..!
السادس : أنّ الآية مستغنية عن تقدير محذوف. بخلاف قولهم. فإنّ فيه حذف (من) التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها ، وحذف (قصاصا) مع القتل الأول ، (وظلما) مع القتل الثاني ، والتقدير : القتل قصاصا أنفى ظلما من تركه.
السابع : أنّ في الآية طباقا ، لأنّ القصاص يشعر بضدّ الحياة بخلاف المثل ..!
الثامن : أن الآية اشتملت على فنّ بديع ، وهو جعل أحد الضدّين ـ الذي هو الفناء والموت ـ محلّا ومكانا لضدّه ـ الذي هو الحياة. واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة ..! ذكره في (الكشاف) ، وعبّر عنه صاحب (الإيضاح) بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال «في» عليه.
التاسع : أنّ في المثل توالي أسباب كثيرة خفيفة ـ وهو السكون بعد الحركة ـ وذلك مستكره. فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكّن اللسان من النطق به وظهرت بذلك فصاحته! بخلاف ما إذا تعقّب كلّ حركة سكون ، فالحركات تنقطع بالسكنات. نظيره : إذا تحركت الدابة أدنى حركة ، فحبست ، ثم تحرّكت فحبست ،