وعن عائشة أنها كانت ترى فى حبّة العنب الواحدة مثاقيل ذرّ كثيرة ، فلا غرابة أن تكون الآية الواحدة جامعة وفاذة. وعن سعد بن أبى وقاص ، أنه كان يرى فى الثمرة مثاقيل ذرّ كثيرة. واستهول الأعرابى أن يحاسبنا الله على مثقال الذرّة فقال : وا سوأتاه! فعقب النبىّ صلىاللهعليهوسلم وقال : «لقد دخل قلب الأعرابى الإيمان» ، أو قال : «قد فقه». وقال فى الآية الصعصعة عمّ الفرزدق : لا أبالى ألا أسمع من القرآن غيرها! حسبى ، فقد انتهت الموعظة!
إن من يعتدى ويكسب إثما |
|
وزن مثقال ذرة سيراه |
ويجازى بفعله الشرّ شرّا |
|
وبعض الجميل أيضا جزاه |
* * *
٥٤. آية من جوامع الدعاء
هى الآية : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢٠١) (البقرة) ، وهى تعمّ الدنيا والآخرة ، وحسنتا الدنيا والآخرة هما ما فيهما من نعم ، وقوله تعالى (حَسَنَةً) تحتمل كل الحسنات على البدل ، ومن ذلك : العافية ، والصحة ، وكفاف المال ، والعلم ، والعبادة ، والزوجة الطيبة ، والذرّية الصالحة إلخ ؛ وحسنة الآخرة هى الجنة ، وقوله (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) دعاء مؤكد لطلب دخول الجنة ، كقول الصحابى للرسول صلىاللهعليهوسلم : أنا إنما أقول فى دعائى : «اللهم ادخلنى الجنة وعافنى من النار». وقيل لأنس : أدع الله لنا ، فقال : «اللهم آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار». قالوا : زدنا؟ قال : «ما تريدون؟ قد سألت الدنيا والآخرة». وكانت هذه أكثر دعوة يدعو بها النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان يأمر أن تكون أكثر ما يدعو به المسلم فى المواقف.
* * *
٥٥. أجمع آية فى القرآن
هى الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠) (النحل) ، قال فيها ابن مسعود : هذه أجمع آية فى القرآن لخير يمتثل ، ولشرّ يجتنب. وقال فيها أبو طالب لما سمع أنها نزلت على ابن أخيه : اتّبعوا ابن أخى فو الله إنه لا يأمر إلا بمحاسن الأخلاق.
وقال عثمان بن مظعون : ما أسلمت ابتداء إلا حياء من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتى نزلت هذه الآية وأنا عنده ، فاستقر الإيمان فى قلبى ، فقرأتها على الوليد بن المغيرة فقال : يا بن أخى ، أعد! فأعدت ، فقال : والله إن له لحلاوة (يقصد القرآن) ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أصله لمورق ، وأعلاه لمثمر ، وما هو بقول بشر!