لطيفة :
قال المهايميّ : إنما حرّم الصّيد على المحرم ، لأنه قصد الكعبة التي حرّم صيد حرمها ، فجعل كالواصل إليه. وإنما حرم صيد حرمها لأنها مثال بيت الملك ، لا يتعرض لما فيه أو في حرمه. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٩٧)
(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) أي : مدارا لقيام أمر دينهم بالحج إليه ، ودنياهم بأمن داخله وعدم التعرض له وجبى ثمرات كلّ شيء إليه.
قال المهايميّ : جعله الله مقام التوجه إليه في عبادته للناس المتفرقين في العالم ، ليحصل لهم الاجتماع الموجب للتألف ، الذي يحتاجون إليه في تمدّنهم ، الذي به كمال معاشهم ومعادهم ، لاحتياجهم إلى المعاونة فيهما.
(وَالشَّهْرَ الْحَرامَ) بمعنى الأشهر الحرم ـ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ـ قياما لهم بأمنهم من القتال فيها. لأنه حرم فيها ليحصل التآلف فيها (وَالْهَدْيَ) وهو ما يهدى إلى مكة (وَالْقَلائِدَ) جمع قلادة. وهي ما يجعل في عنق البدنة التي تهدى وغيره. والمراد ب (القلائد) ذوات القلائد وهي البدن. خصّت بالذكر لأن الثواب فيها أكثر ، وبهاء الحج بها أظهر. والمفعول الثاني محذوف ، ثقة بما مرّ ، أي : جعل الهدي والقلائد أيضا قياما لهم. فإنهم كانوا يأمنون بسوق الهدي إلى البيت الحرام على أنفسهم. وفيه قوام لمعيشة الفقراء ثمّت. وكذلك كانوا يأمنون إذا قلدوها أو قلّدوا أنفسهم ، عند الإحرام ، من لحاء شجر الحرم. فلا يتعرض لهم أحد (ذلِكَ) أي : الجعل المذكور (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فإنّ جعله ذلك لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل وقوعها ، دليل على علمه بما هو في الوجود وما هو كائن.
وقد جوّد الرازيّ تقرير هذا المقام فأبدع ، فلينظر.
وقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تعميم إثر تخصيص للتأكيد.