نفسها معصية مستتبعة للمؤاخذة وقد عفا عنها. وفيه من حثّهم على الجدّ في الانتهاء عنها ما لا يخفى (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) اعتراض تذييليّ مقرّر لعفوه تعالى ، أي : مبالغ في مغفرة الذنوب. ولذا عفا عنكم ولم يؤاخذكم بما فرط منكم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ)(١٠٢)
(قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : سألوا هذه المسألة ، لكن لا عينها ، بل مثلها في كونها محظورة ومستتبعة للوبال. وعدم التصريح بالمثل للمبالغة في التحذير (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) أي : بسببها. حيث لم يمتثلوا ما أجيبوا به ، ويفعلوه. وقد كان بنو إسرائيل يستفتون أنبياءهم عن أشياء ، فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا. والمعنى : احذروا مشابهتهم والتعرّض لما تعرّضوا له.
تنبيهات :
الأول : روى البخاريّ (١) في سبب نزولها في (التفسير) عن أبي الجويرية عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم استهزاء. فيقول الرجل : من أبي؟ ويقول الرجل ، تضلّ ناقته : أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا ...) حتى فرغ من الآية كلها.
وأخرج (٢) أيضا عن موسى بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطبة ما سمعت مثلها قط ، قال : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ... قال : فغطّى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجوههم ، لهم خنين. فقال رجل : من أبي؟ قال : فلان ، فنزلت هذه الآية : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).
وروى البخاريّ (٣) أيضا في كتاب (الفتن) عن قتادة : أنّ أنسا حدثهم قال : سألوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم حتى أحفوه بالمسألة. فصعد النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذات يوم المنبر فقال : لا
__________________
(١) أخرجه البخاري في : التفسير ، ٥ ـ سورة المائدة ، ١٢ ـ باب قوله تعالى : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) ، حديث ٢٠٠١.
(٢) أخرجه البخاري في : التفسير ، ٥ ـ سورة المائدة ، ١٢ ـ باب قوله تعالى : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) ، حديث ٨٠.
(٣) أخرجه البخاري في : الفتن ، ١٥ ـ باب التعوّذ من الفتن ، حديث ٨٠.