للنزول. وكأنّ في هذا إذنا لهم في السؤال عن تفصيل المنزل ومعرفته بعد إنزاله. ففيه رفع لتوهم المنع من السؤال عن الأشياء مطلقا. ثم قال : وثمة قول ثان في قوله تعالى : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها ...) إلخ ، وهو أنّه من باب التهديد والتحذير ، أي : ما سألتم عنها في وقت نزول الوحي جاءكم بيان ما سألتم عنه بما يسوؤكم : والمعنى : لا تتعرّضوا للسؤال عمّا يسوءكم بيانه ، وإن تعرضتم له في زمن الوحي أبدي لكم. انتهى.
وقال بعضهم : إنه تعالى ، بيّن أولا أنّ تلك الأشياء ـ التي سألوا عنها ـ إن أبديت لهم ساءتهم. ثم بيّن ثانيا أنهم إن سألوا عنها أبديت لهم. فكان حاصل الكلام إن سألوا عنا أبديت لهم ، وإن أبديت لهم ساءتهم ، فيلزم من مجموع المقدمتين أنهم ، إن سألوا عنها ، ظهر لهم ما يسوءهم ولا يسرّهم.
قال العلامة أبو السعود : قوله تعالى : (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) صفة ل (أشياء) داعية إلى الانتهاء عن السؤال عنها. وحيث كانت المساءة في هذه الشرطية معلقة بإبدائها ، لا بالسؤال عنه ، عقبت بشرطية أخرى ناطقة باستلزام السؤال عنها لإبدائها الموجب للمحذور قطعا. فقيل : وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم. أي : تلك الأشياء الموجبة للمساءة بالوحي ، كما ينبئ عنه تقييد السؤال بحين التنزيل. والمراد به : ما يشق عليهم ويغمّهم من التكاليف الصعبة التي لا يطيقون بها ، والأسرار الخفية التي يفتضحون بظهورها ، ونحو ذلك مما لا خير فيه. فكما أنّ السؤال عن الأمور الواقعة مستتبع لإبدائها ، كذلك السؤال عن تلك التكاليف مستتبع لإيجابها عليهم بطريق التشديد ، لإساءتهم الأدب واجترائهم على المسألة والمراجعة ، وتجاوزهم عمّا يليق بشأنهم من الاستسلام لأمر الله عزوجل ، من غير بحث فيه ولا تعرّض لكيفيته وكمّيته. أي : لا تكثروا مساءلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمّا لا يعنيكم من نحو تكاليف شاقة عليكم ـ إن أفتاكم بها وكلّفكم إياها حسبما أوحي إليه ـ لم تطيقوا بها ، ونحو بعض أمور مستورة تكرهون بروزها.
(عَفَا اللهُ عَنْها) أي : عن تلك الأشياء حين لم ينزل فيها القرآن ولم يوجبها عليكم توسعة عليكم. أو : عفا الله عن بيانها لئلّا يسوءكم بيانها. فالجملة في موضع جرّ صفة أخرى ل (أَشْياءَ). أو المعنى : عفا الله عن مسائلكم السالفة ، وتجاوز عن عقوبتكم الأخروية بمسائلكم ، فلا تعودوا إلى مثلها. فالجملة حينئذ مستأنفة مبينة لأن نهيهم عنها لم يكن لمجرّد صيانتهم عن المساءة. بل لأنها في