والطيب قسمان : أحدهما الذي يكون جسمانيّا وهو ظاهر لكل أحد. والثاني الذي يكون روحانيّا. وأخبث الخبائث الروحانية الجهل والمعصية. وأطيب الطيبات الروحانية معرفة الله تعالى وطاعته. وذلك لأن الجسم الذي يلتصق به شيء من النجاسات يصير مستقذرا عند أرباب الطباع السليمة. فكذلك الأرواح الموصوفة بالجهل بالله والإعراض عن طاعته تصير مستقذرة عند الأرواح الكاملة المقدسة. وأما الأرواح العارفة بالله تعالى ، المواظبة على خدمته ، فإنها تصير مشرقة بأنوار المعارف الإلهية ، مبتهجة بالقرب من الأرواح المقدسة الطاهرة. وكما أنّ الخبيث والطيّب في عامل الجسمانيات لا يستويان ، فكذلك في عالم الروحانيات لا يستويان. بل المباينة بينهما في عالم الروحانيات أشدّ لأن مضرة خبث الخبيث الجسمانيّ شيء قليل ومنفعة طيبة مختصرة. وأمّا خيث الخبيث الروحانيّ فمضرّته عظيمة دائمة أبدية. وطيب الطّيب الروحاني فمنفعته عظيمة دائمة أبدية. وهو القرب من جوار ربّ العالمين ، والانخراط في زمرة الملائكة المقربين ، والمرافقة مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين. فكان هذا من أعظم وجوه الترغيب في الطاعة والتنفير عن المعصية.
الثاني : قال بعض المفسّرين : من ثمرة الآية أنه ينبغي إجلال الصالح وتمييزه على الطالح. وأنّ الحاكم إذا تحاكم إليه الكافر والمؤمن ، ميّز المؤمن في المجلس.
انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(١٠١)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا) أي : نبيكم (عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ) أي : تظهر (لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) لما فيها من المشقة (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) أي : وإن تسألوا عن أشياء نزل القرآن بها مجملة ، فتطلبوا بيانها ، تبين لكم حينئذ لاحتياجكم إليها. هذا وجه في الآية. وعليه ف (حين) ظرف ل (تسألوا).
وثمة وجه آخر : وهو جعل (حين) ظرفا ل (تبد) ، والمعنى : وإن تسألوا عنها. تبد لكم حين ينزل القرآن.
قال ابن القيّم : والمراد ب (حين النزول) زمنه المتصل به ، لا الوقت المقارن