ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدرا ثم ينقص إلى أن يصير كما كان؟ فأنزل الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ...) [البقرة : ١٨٩] الآية ، فإنما أجيب بما فيه من منافع الدين.
و (ثانيها) : أن يسأل بعد ما بلغ من العلم حاجته ، كما سأل الرجل عن الحج (١) : أكلّ عام؟ مع أن قوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧] ، قاض بظاهره أنه للأبد ، لإطلاقه. ومثله سؤال بني إسرائيل بعد قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ...) [البقرة : ٦٧].
و (ثالثها) : السؤال من غير احتياج إليه في الوقت ، وكأن هذا ـ والله أعلم ـ خاص بما لم ينزل فيه حكم ، وعليه يدل قوله : ذروني ما تركتكم. وقوله : وسكت عن أشياء رحمة بكم ، لا عن نسيان ، فلا تبحثوا عنها.
و (رابعها) : أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها ، كما جاء في النهي (٢) عن الأغلوطات.
و (خامسها) : أن يسأل عن علة الحكم ـ وهو من قبيل التعبدات ، أو السائل ممّن لا يليق به ذلك السؤال ـ كما في حديث (٣) قضاء الصوم دون الصلاة.
و (سادسها) أن يبلغ بالسؤال إلى حدّ التكلف والتعمّق ، وعلى ذلك يدلّ قوله تعالى : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص : ٨٦] ، ولما سئل
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الحج ، حديث ٤١٢ ونصه : عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال «أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا» فقال رجل : أكلّ عام؟ يا رسول الله! فسكت. حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لو قلت : نعم ، لوجبت ، ولما استطعتم» ثم قال «ذروني ما تركتكم. فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».
(٢) أخرجه أبو داود في : العلم ، ٨ ـ باب التوقي في الفتيا ، حديث ٣٦٥٦ ونصه : عن معاوية أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم نهى عن الغلوطات. (الغلوطات) بفتح الغين المعجمة وضم اللام ـ وهي المسائل التي يغالط بها العلماء ليزلّوا فيها فيهيج بذلك شر وفتنة. وهي جمع غلوطة ـ بالفتح ـ ثم قيل : هي مثل حلوبة وركوبة ، إذا جعلا اسمين. وقيل : أصلها أغلوطة ، خففت بطرح الهمزة. كما تقول : لحمر. وأنت تريد (الأحمر). محمد محي الدين عبد الحميد.
(٣) أخرجه مسلم في : الحيض ، حديث ٦٩ ونصه : عن معاذة قالت : سألت عائشة فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت : أحروريّة أنت؟ قلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل. قالت : وكان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.