اتهموهما ، رفعوهما إلى السلطان فحلفا بعد صلاة العصر بالله ، ما كتمنا ولا كذبنا ولا خنّا ولا غيرنا ، فإن اطلع الأوليان على أن الكافرين كذبا في شهادتهما ، قام رجلان من الأولياء ، فحلفا بالله ؛ أن شهادة الكافرين باطلة ، وأنا لم نعتد. فترد شهادة الكافرين وتجوز شهادة الأولياء ، هكذا روى ابن جرير (١) عن ابن عباس وابن جبير وغيرهما.
قال الإمام ابن كثير : وهذا التحليف للورثة والرجوع إلى قولهما ، والحالة هذه ، كما يحلف أولياء المقتول ، إذا ظهر لوث في جانب القاتل. فيقسم المستحقون على القاتل. فيدفع برمته إليهم. كما هو مقرر في (باب القسامة). وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس عن تميم الداريّ في هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) .. إلى آخرها قال : برئ الناس منها غيري وغير عديّ بن بداء ، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام. فأتيا الشام لتجارتهما. وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل (بدال أو زاي مصغرا. وضبطه بالثانية ابن ماكولا) ابن أبي مريم بتجارة ، معه جام من فضة يريد به الملك. وهو أعظم تجارته. فمرض فأوصى إليهما. وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم : فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم. واقتسمناه أنا وعديّ. فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا. وفقدوا الجام فسألونا عنه. فقلنا : ما ترك غير هذا ، وما دفع إلينا غيره.
قال تميم : فلما أسلمت ، بعد قدوم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة تأثمت من ذلك. فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر ، ودفعت إليهم خمسمائة درهم. وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها. فوثبوا عليه. فأمرهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يستحلفوه بما يحكم به على أهل دينه. فحلف فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) ـ إلى قوله ـ (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما). فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا. فنزعت الخمسمائة من عديّ بن بداء.
وهكذا رواه الترمذيّ (٢) وابن جرير (٣) عن محمد بن إسحاق به ، فذكره.
__________________
(١) الأثر رقم ١٢٩٧٩ من التفسير.
(٢) أخرجه الترمذي في : التفسير ، ٥ ـ سورة المائدة ، ١٩ ـ حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني.
(٣) الأثر رقم ١٢٩٦٧ من التفسير.