وعنده : فأتوا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألهم البيّنة فلم يجدوا. فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف. فأنزل الله هذه الآية. فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا. فنزعت الخمسمائة من عديّ بن بداء.
ثم تكلم الترمذيّ على إسناده. وأسند (١) بعد ذلك هذه القصة مختصرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداريّ وعديّ بن بداء. فمات السهميّ بأرض ليس بها مسلم. فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوّصا بذهب. فأحلفهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ثمّ وجد الجام بمكة. فقيل : اشتريناه من تميم وعديّ. فقام رجلان من أولياء السهميّ فحلفا بالله لشهادتنا أحقّ من شهادتهما. وأنّ الجام لصاحبهم. وفيهم نزلت هذه الآية. وكذا رواه أبو داود. ثم قال الترمذيّ : حديث حسن غريب!
وأقول : أخرجه البخاريّ (٢) أيضا في كتاب (الوصايا) تحت باب عقده لهذه الآية بخصوصها.
و (الجام) الإناء ، وتخويصه أن يجعل عليه صفائح من ذهب كخوص النخل.
قال ابن كثير : وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من التابعين. منهم عكرمة ومحمد بن سيرين وقتادة. وذكروا أن التحليف كان بعد صلاة العصر. رواه ابن جرير. وكذا ذكرها مرسلة مجاهد والحسن والضحاك. وهذا يدلّ على اشتهارها في السلف وصحتها.
ومن الشواهد لصحة هذه القصة ما رواه ابن جرير (٣) بإسنادين صحيحين ، وأبو داود بإسناد ـ رجاله ثقات ـ عن الشعبيّ : أن رجلا من المسلمين حضرته الصلاة بدقوقاء ، قال : فحضرته الوفاة ـ ولم يجد أحدا من المصلين يشهده على وصيّته ـ فأشهده رجلين من أهل الكتاب ، قال : فقدما الكوفة فأتيا أبا موسى الأشعريّ رضي الله عنه فأخبراه. وقدما الكوفة بتركته ووصيته ، فقال الأشعريّ : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال : فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدّلا ولا كتما ولا غيرا ، وإنّها لوصية الرجل وتركته. قال : فأمضى شهادتهما.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : التفسير ، ٥ ـ سورة المائدة ، ٢٠ ـ حدثنا سفيان بن وكيع.
(٢) أخرجه البخاري في : الوصايا ، ٣٥ ـ باب قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ...) الآية ، حديث ١٣٣٠.
(٣) الأثر رقم ١٢٩٦٨ من التفسير.