الثامن : قال السيوطيّ : تخصيص الحلف في الآية باثنين من أقرب الورثة (يعني على قراءة الأوليان) لخصوص الواقعة التي نزلت لها. ثم ساق رواية البخاريّ السابقة. أي : وللإشارة إلى الاكتفاء باثنين من أقرب الورثة أيضا وإن كان فيهم كثرة.
غريبة :
قال مكيّ في كتابه المسمّى بـ (الكشف) :
هذه الآيات الثلاث ـ عند أهل المعاني ـ من أشكل ما في القرآن إعرابا ومعنى وحكما وتفسيرا. ولم يزل العلماء يستشكلونها ويكفّون عنها.
قال : ويحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر. وقد ذكرناها مشروحة في كتاب مفرد.
قال ابن عطيّة : هذا كلام من لم يقع له النتاج في تفسيرها ، وذلك بيّن من كتابه رحمهالله تعالى ـ يعني من كتاب مكيّ ـ.
قال القرطبيّ : ما ذكره مكيّ ، ذكره أبو جعفر النحاس قبله أيضا.
قال السعد في (حاشيته على الكشاف) : واتفقوا على أنها أصعب ما في القرآن إعرابا ونظما وحكما .. انتهى.
أقول : هذه الآية الكريمة غنيّة بنفسها ـ مع ما ورد في سبب نزولها ، وما قاله حبر الأمة وترجمان القرآن في معناها ـ عن التشكيك فيها ، والتكلّف لإدخالها تحت القواعد ، والتمحّل لتأويلها. فخذ ما نقلناه من محاسن تأويلها وكن من الشاكرين.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)(١٠٩)
(يَوْمَ) منصوب ب (اذكروا) أو (احذروا) (يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) وذلك يوم القيامة ، وتخصيص الرسل بالذكر ليس لاختصاص الجمع بهم دون الأمم. كيف لا؟ وذلك يوم مجموع له الناس ، بل لإبانة شرفهم وأصالتهم والإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بجمع غيرهم. بناء على ظهور كونهم أتباعا لهم (فَيَقُولُ) أي : للرسل (ما ذا أُجِبْتُمْ) أي : ما الذي أجابكم من أرسلتم إليهم؟ ففيه إشعار بخروجهم عن عهدة الرسالة. إذا لم يقل : هل بلّغتم رسالاتي؟ وفي توجيه السؤال إليهم. والعدول عن إسناد الجواب إلى قومهم بأن يقال : ماذا أجابوا ـ من الإنباء عن شدة الغضب الإلهيّ ما لا يخفى.