نُمَكِّنْ لَكُمْ) أي : ما لم نجعل لكم من السعة والرفاهية وطول الأعمار ، يا أهل مكة! (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ) أي المطر. قال المهايمي : هو أبلغ من أنزلنا في الدلالة على الكثرة ، (عَلَيْهِمْ مِدْراراً) أي كثيرا ، (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) أي من تحت أشجارهم ، فعاشوا في الخصب بين الأنهار والثمار ، وسقيا الغيث المدرار ، (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي : بسبب ذنوبهم وكفرهم ، وتكذيبهم رسلهم ، وجعلناهم أحاديث ، فما أغنى عنهم ما كانوا فيه. أي وسيحل بهؤلاء مثل ما حل بهم من العذاب. (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) أي : بدلا من الهالكين ، يعني : فلا يتعاظمه تعالى أن يهلك هؤلاء ، ويخلي ديارهم منهم ، وينشئ أمة سواهم ، فما هم بأعزّ على الله منهم. والرسول الذي كذبوه أكرم على الله من رسلهم. فهم أولى بالعذاب ، ومفاجأة العقوبة ، لو لا لطفه وإحسانه.
ثم بين تعالى شدة مكابرتهم ، إثر إعراضهم ، بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ)(٧)
(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) أي : مكتوبا في ورق (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) أي : فمسوه ، (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) أي : ليس هذا المعظم بهذه الوجوه الدالة على أنه لا يكون إلا من الله ، (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) تعنتا وعنادا ، وتخصيص (اللمس) لأن التزوير لا يقع فيه ، فلا يمكنهم أن يقولوا إنما سكرت أبصارنا ، ولأنه يتقدمه الإبصار ، حيث لا مانع. وتقييده ب (الأيدي) لرفع التجوز ، فإنه قد يتجوز به للفحص ، كقوله : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) [الجن : ٨] ـ أفاده البيضاوي.
قال الناصر في (الانتصاف) : والظاهر أن فائدة زيادة لمسهم له بأيديهم ، تحقيق القراءة على قرب. أي : فقرؤوه وهو في أيديهم ، لا بعيد عنهم ، لما آمنوا.
وقال ابن كثير : وهذا كما قال تعالى مخبرا عن مكابرتهم للمحسوسات : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر : ١٤ ـ ١٥]. ولقوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور : ٤٤].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٨)
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) أي : ليكون معه فيكلمنا أنه نبيّ ، كقوله : (لَوْ لا