تنبيه :
قال الرازي : الآية تدل على كون الإنسان مكتسبا للفعل ، والكسب هو الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع ، أو دفع ضرّ. ولهذا السبب لا يوصف فعل الله بأنه كسب ، لكونه تعالى منزّها عن جلب النفع ، ودفع الضرّ ـ والله أعلم ـ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ)(٤)
(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) يعني : ما يظهر لكفار مكة دليل من الأدلة التي يجب فيها النظر والاعتبار ، أو معجزة من المعجزات ، أو آية من آيات القرآن ، التي من جملتها الآيات السالفة ، الناطقة ببدائع صنعه وقدرته على البعث (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) أي : على وجه التكذيب والاستهزاء ، لقلة خوفهم وتدبرهم ، في العواقب.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٥)
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) يعني : القرآن الذي تحدّوا به ، فعجزوا عنه (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : مصداق أنباء الحق الذي كانوا يكذبون به على سبيل الاستهزاء. وأنباؤه عبارة عما سيحيق بهم من العقوبات العاجلة. فهو وعيد شديد لهم بأنه لا بد لهم أن يذوقوا وباله. وقد ذاقوه يوم بدر وغيره.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ)(٦)
(أَلَمْ يَرَوْا) أي : ألم يعلموا علما يشبه الرؤية بالبصر ، لما سمعوا بالتواتر من إتيان المستهزئين قبلهم. أنباءهم مرارا كثيرة (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) أي من أمة ، فلم نبق منها أحدا ، مثل قوم نوح وعاد وثمود ، وغيرهم من الأمم الماضية ، والقرون الخالية. (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : قررناهم وثبتناهم في الأرض ، (ما لَمْ