ملكيته بالقرآن المعجز ، الناطق بها ، أو بمعجزات أخر غير ملجئة إلى التصديق ـ لكذبوه ، كما كذبوا النبيّ عليه الصلاة والسلام. ولو أظهر لهم صورته الأصلية لزم ما تقدم من قضاء الأمر.
تنبيهات :
الأول : في إيثار (رجلا) على (بشرا) إيذان بأن الجعل بطريق التمثيل ، لا بطريق قلب الحقيقة ، وتعيين لما يقع به التمثيل.
الثاني ـ في الآية بيان لرحمته تعالى بخلقه ، وهو أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلا منهم ، ليدعو بعضهم بعضا ، وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال. كما قال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) [آل عمران : ١٦٤]. الآية. وقال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٥].
الثالث : التعبير عن تمثيله تعالى (رجلا) باللبس إما لكونه في صورة اللبس ، أو لكونه سببا للبسهم ، أو لوقوعه في صحبته بطريق المشاكلة. وفيه تأكيد لاستحالة جعل النذير ملكا ، كأنه قيل : لو فعلناه لفعلناه ما لا يليق بشأننا من لبس الأمر عليهم ـ أفاده أبو السعود.
الرابع ـ جوز بعضهم وجها ثانيا في قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً) وهو أن يكون جواب اقتراح ثان ، على أن الضمير عائد للرسول ، لا لمقترحهم السابق. قال : لأنهم تارة يقولون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) وتارة يقول : (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) [فصلت : ١٤]. والمعنى : ولو جعلنا الرسول ملكا لمثلناه رجلا. والظاهر هو الوجه الأول.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(١٠)
وقوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عما يلقاه من قومه ، ووعد له وللمؤمنين به بالنصر والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة. و (حاق) بمعنى نزل وحلّ ، ولا يكاد يستعمل إلا في الشر. أي : فنزل بهم وبال استهزائهم ، أو العذاب الذي كانوا يسخرون من