التخويف به ، إذ هلكوا في الدنيا على أقبح الوجوه ، ثم ردوا إلى أفظع العذاب أبد الآبدين. وجعل الرسل في أعلى منازل القرب من رب العالمين.
ثم أمر تعالى أن يصدعهم بالتجول في الأرض إن ارتابوا فيما تواتر ، أو تعاموا عمّا رأوا ، بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(١١)
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي : سيروا في الأرض لتعرّف أحوال أولئك الأمم ، وتفكروا في أنهم كيف أهلكوا لمّا كذبوا الرسل وعاندوا ، فتعرفوا صحة ما توعظون به. وفي السير في الأرض ، والسفر في البلاد ، ومشاهدة تلك الآثار الخاوية على عروشها ـ تكملة للاعتبار ، وتقوية للاستبصار. أي : فلا تغتروا بما أنتم عليه من التمتع بلذات الدنيا وشهواتها.
وفي هذه الآية تكملة للتسلية ، بما في ضمنها من العدة اللطيفة ، بأنه سيحيق بهم مثل ما حاق بأضرابهم المكذبين ، وقد أنجز ذلك يوم بدر أيّ إنجاز.
لطيفة :
وقع هنا (ثُمَّ انْظُرُوا). وفي النمل : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) [النمل : ٦٩]. وكذا في العنكبوت. فتكلف بعضهم لتخصيص ما هنا ب (ثم) ، كما هو مبسوط في (العناية) ، مع ما عليه. ونقل عن بعضهم أن السير متحد فيهما ، ولكنه أمر ممتد ، يعطف بالفاء تارة ، نظرا لآخرة ، وب (ثم) نظرا لأوله ، ولا فرق بينهما.
وفي (الانتصاف) : الأظهر أن يجعل الأمر بالسير في المكانين واحدا ، ليكون ذلك سببا في النظر ، فحيث دخلت الفاء ، فلإظهار السببية. وحيث دخلت (ثم) ، فللتنبيه على أن النظر هو المقصود من السير ، وأن السير وسيلة إليه لا غير. وشتان بين المقصود والوسيلة ـ والله أعلم ـ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١٢)
(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : خلقا وملكا ، وهو سؤال تبكيت