قال المهايمي : كمال الرحمة في الجزاء ، إذ بدونه تضيع مشاق المعارف الإلهية ، والأعمال الصالحة ، وتضيع المظالم ، ولا جزاء في دار الدنيا ، لأنه فرع التكليف ، ودار التكليف لا تكون دار الجزاء ، لأن مشاهدته مانعة من التكليف. انتهى.
و (إلى) بمعنى اللام ، كقوله : (إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) [آل عمران : ٩] ، أي في اليوم ، أو في الجمع.
(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي : بتضييع رأس مالهم ، وهو الفطرة الأصلية ، والعقل السليم ، والاستعداد القريب الحاصل من مشاهدة الرسول عليه الصلاة والسلام ، واستماع الوحي ، وغير ذلك من آثار الرحمة.
(فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي : لا يصدقون بالمعاد ، ولا يخافون شر ذلك اليوم.
قال أبو السعود : والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ، والإشعار بأن عدم إيمانهم بسبب خسرانهم ، فإن إبطال العقل باتباع الحواس ، والانهماك في التقليد ، وإغفال النظر ، أدى بهم إلى الإصرار على الكفر ، والامتناع من الإيمان. والجملة تذييل مسوق من جهته تعالى ، لتقبيح حالهم ، غير داخل تحت الأمر.
تنبيه :
روي في معنى هذه الآية عن أبي هريرة (١) : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب ، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي» ـ رواه الشيخان ـ
وفي البخاريّ : إن كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق : إن رحمتي سبقت غضبي ، فهو مكتوب عنده ، فهو العرش.
وفي رواية لهما : أن الله لما خلق الخلق.
وعند مسلم : لما قضى الله الخلق ، كتب في كتاب كتبه على نفسه ، فهو موضوع عنده. زاد البخاريّ : على عرش. ثم اتفقا : إن رحمتي تغلب غضبي.
وسنذكر ، إن شاء الله ، شذرة من أحاديث الرحمة عند آية (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) قريبا.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : بدء الخلق ، ١ ـ باب ما جاء في قول الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ).