قال أبو السعود : ومعنى سبق الرحمة وغلبتها أنها أقدم تعلقا بالخلق ، وأكثر وصولا إليهم ، مع أنها من مقتضيات الذات المفيضة للخير.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١٣)
(وَلَهُ) أي : ولله عزوجل ، (ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي ما استقر وحلّ ، من (السكنى) بمعنى (الحلول). كقوله تعالى : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [إبراهيم : ٤٥]. والمعنى : له تعالى كل ما حصل في الليل والنهار ، مما طلعت عليه الشمس أو غربت. شبه الاستقرار بالزمان ، بالاستقرار في المكان ، فاستعمل استعماله فيه. أو (سكن) من (السكون) ، مقابل الحركة. أي : ما سكن فيهما وما تحرك ، فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر ، كما في قوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١]. لأن ذلك يعرف بالقرينة. وعليه ، فإنما اكتفى بالسكون عن ضده دون العكس. لأن السكون أكثر وجودا ، والنعمة فيه أكثر.
قال بعضهم : لا حاجة لدعوى الاكتفاء ، فإن ما سكن يعم جميع المخلوقات ، إذ ليس شيء منها غير متصف بالسكون ، حتى المتحرك ، حال حركته ، على ما حقق في الكلام : من أن تفاوت الحركات بالسرعة والبطء لقلة السكنات المتخللة وكثرتها.
لطيفة :
قال أبو مسلم الأصفهانيّ : ذكر تعالى في الآية الأولى السموات والأرض ، إذ لا مكان سواهما. وفي هذه الآية ذكر الليل والنهار ، إذ لا زمان سواهما ، فالزمان والمكان ظرفان للمحدثات ، فأخبر سبحانه أنه مالك للمكان والمكانيات ، ومالك للزمان والزمانيات. وهذا بيان في غاية الجلالة.
وقال الرازيّ : هاهنا دقيقة أخرى. وهو أن الابتداء وقع بذكر المكان والمكانيات ، ثم ذكر عقيبه الزمان والزمانيات ، وذلك لأن المكان والمكانيات أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان والزمانيات ، لدقائق مذكورة في العقليات الصرفة. والتعليم الكامل هو الذي يبدأ فيه بالأظهر فالأظهر مترقيا إلى الأخفى فالأخفى ، وهذا من سر نظم الآية مع ما قبلها.
(وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع كل مسموع ، ويعلم كل معلوم ، فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان.