القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(١٩)
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) أي بحيث لا يمكن معارضته بما يساويه (قُلِ اللهُ) أي : أكبر شهادة ، إذ لا احتمال لطروّ الكذب في خبره أصلا ، جل شأنه. وأمره صلىاللهعليهوسلم بأن يتولى الجواب بنفسه ، إما للإيذان بتعينه ، وعدم قدرتهم على أن يجيبوا بغيره ، أو لأنهم ربما يتلعثمون فيه ، لا لترددهم في أنه تعالى أكبر من كل شيء ، بل في كونه شهيدا في هذا الشأن.
وقوله تعالى : (شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) خبر لمحذوف ، أو خبر عن لفظ الجلالة. ودل على جواب (أي) من طريق المعنى ، لأنه إذا كان تعالى هو الشهيد بينه وبينهم ، كان أكبر شيء شهادة ، شهيدا له. فيكون من الأسلوب الحكيم ، لأنه عدل عن الجواب المتبادر ـ إليه ، ليدل على أن أكبر شهادة شهيد للرسول ، فإن الله أكبر شيء شهادة ، والله شهيد له ، فينتج الأكبر شهادة شهيد له. والقياس المذكور من الشكل الثالث ، لأن الحد الأوسط موضوع في المقدمتين ، لا من الثاني ، كما وقع للشهاب في (العناية) وهو من بديهيات الميزان.
قال بعضهم : الغرض من السؤال ب (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) أن شاهدي أكبر شهادة. فقوله (شَهِيدٌ ...) إلخ تنصيص له ، والسؤال المذكور لا يحتاج إلى جواب ، لكونه معلوما بيّنا عند الخصم ، فحاصله أن الله الذي هو أكبر شهادة ، شهد بذلك. انتهى.
ومعنى (شهيد) مبالغ في الشهادة على نبوتي ، بحيث يقطع النزاع بيني وبينكم ، إذ شهد سبحانه بالقول في الكتب التي أنزلها على الأولين ، وبالفعل فيما ظهر على يديّ من المعجزات ، لا سيما معجزة القرآن ، كما قال تعالى :
(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ) أي : الجامع للعلوم التي يحتاج إليها في المعارف والشرائع ، في ألفاظ يسيرة ، في أقصى مراتب الحسن والبلاغة ، معجزة شاهدة بصحة رسالتي ، لأنكم أنتم الفصحاء والبلغاء ، وقد عجزتم عن معارضته (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) أي بما فيه من الوعيد ، (وَمَنْ بَلَغَ) عطف على ضمير المخاطبين ، أي : لأنذركم به ،