يا أهل مكة! وسائر من بلغه من الناس كافة ، فهو نذير لكل من بلغه ، كقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) [هود : ١٧].
(أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) تقرير لهم مع إنكار واستبعاد.
(قُلْ لا أَشْهَدُ) بما تشهدون ، (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي : بل أشهد أن لا إله إلا هو ، لا يشارك في إلهيته ، ولا في صفات كماله (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) يعني : الأصنام.
وفي هذه الآية.
مسائل :
الأولى ـ استدل الجمهور بقوله تعالى (قُلِ اللهُ) في جواب (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) على جواز إطلاق (الشيء) عليه تعالى. وكذا بقوله سبحانه وتعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨]. فإن المستثنى يجب أن يدخل تحت المستثنى منه ، وذلك لأن الشيء أعم العامّ ـ كما قال سيبويه ـ لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه ، واختار الزمخشري شموله حتى للمستحيل. وصرح كثير من المحققين بأنه يختص بالموجود ، وضعفوا من أطلقه على المعدوم ، بأنه محجوج بعدم استعمال العرب ذلك ، كما علم باستقراء كلامهم ، وبنحو. (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، إذ المعدوم لا يتصف بالهلاك ، وبنحو : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤]. إذ المعدوم لا يتصور منه التسبيح.
قال الناصر في (الانتصاف) : هذه المسألة معدودة من علم الكلام باعتبار مّا ، وأما هذا البحث فلغويّ ، والتحاكم فيه لأهل اللغة. وظاهر قولهم : غضبت من لا شيء.
إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
أن الشيء لا ينطلق إلا على الموجود ، إذ لو كان الشيء كل ما يصح أن يعلم ، عدما كان أو وجودا ، أو ممكنا أو مستحيلا ، لما صدق على أمر ما أنه ليس بشيء ، والأمر في ذلك قريب. انتهى.
هذا ، وتمسك من منع إطلاقه عليه تعالى قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [الأعراف : ١٨٠] ، والاسم إنما يحسن لحسن مسماه ، وهو أن يدل على صفة من صفات الكمال ، ونعت من نعوت الجلال. ولفظ (الشيء) أعمّ الأشياء ،