الثانية : قال الخفاجي : جمع اللهو واللعب في آيات. فتارة يقدم اللعب ، كما هنا. وتارة قدم اللهو كما في العنكبوت. ولهذا التفنن نكتة مذكورة في (درة التأويل) ملخصها : أن الفرق بين اللهو واللعب ، مع اشتراكهما في أنهما الاشتغال بما لا يعني العاقل ويهمه من هوى أو طرب ، سواء كان حراما أم لا ، أن اللهو أعم من اللعب ، فكل لعب لهو ، ولا عكس. فاستماع الملاهي لهو ، وليس بلعب. وقد فرقوا بينهما أيضا بأن اللعب ما قصد به تعجيل المسرة ، والاسترواح به ، واللهو كل ما شغل من هوى وطرب ، وإن لم يقصد به ذلك ، كما نقل عن أهل اللغة ، قالوا : واللهو ، إذا أطلق ، فهو اجتلاب المسرة بالنساء ، كما قال امرؤ القيس :
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني |
|
كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي |
وقال قتادة : اللهو ، في لغة اليمن (المرأة). وقيل : اللعب طلب : المسرة والفرح بما لا يحسن أن يطلب به. واللهو : صرف الهم بما لا يصلح أن يصرف به.
ولما كانت الآية ردّا على الكفرة في إنكار الآخرة ، وحصر الحياة في الحياة الدنيا ، وليس في اعتقادهم إلا ما عجل من المسرة بزخرف الدنيا الفانية ـ قدم اللعب الدال على ذلك ، وتمم باللهو. وأما في العنكبوت فالمقام لذكر قصر مدة الحياة وتحقيرها ، بالقياس إلى الآخرة. ولذا ذكر باسم الإشارة المشعر بالتحقير. والاشتغال باللهو ، مما يقصر به الزمان ، وهو أدخل من اللعب فيه. وأيام السرور قصار ، كما قال :
وليلة إحدى الليالي الزّهر |
|
لم تك غير شفق وفجر |
الثالثة : في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) تنبيه على أن ما ليس من أعمال المتقين ، لعب ولهو.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)(٣٣)
وقوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ) قرئ بفتح الياء وضمها ، (الَّذِي يَقُولُونَ) أي : يقولون فيك ، من أنك كاذب أو ساحر أو شاعر أو مجنون.
قال أبو السعود : استئناف مسوق لتسليته صلىاللهعليهوسلم عن الحزن الذي يعتريه ، مما حكى عن الكفرة من الإصرار على التكذيب ، والمبالغة فيه ، ببيان أنه عليه الصلاة