والسلام بمكانة من الله عزوجل ، وأن ما يفعلونه في حقه فهو راجع إليه تعالى في الحقيقة ، وأنه ينتقم منهم أشد انتقام. وكلمة (قد) لتأكيد العلم بما ذكر ، المفيد لتأكيد الوعيد.
وقوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) الفاء للتعليل ، لأن قوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ) بمعنى لا تحزن ، كما يقال في مقام المنع والزجر : نعلم ما تفعل! ووجّه التعليل في تسليته له صلىاللهعليهوسلم بأن التكذيب في الحقيقة لي ، وأنا الحليم الصبور ، فتخلق بأخلاقي.
قال أبو السعود : وهذا يفيد بلوغه عليه الصلاة والسلام في جلالة القدر ، ورفعة المحل ، والزلفى من الله عزوجل ، إلى حيث لا غاية وراءه ، حيث لم يقتصر على جعل تكذيبه عليه الصلاة والسلام تكذيبا لآياته سبحانه ، على طريقة قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] ، بل نفي تكذيبهم عنه ، وأثبت لآياته تعالى على طريقة قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] ، إيذانا بكمال القرب ، واضمحلال شؤونه عليه الصلاة والسلام في شأن الله عزوجل. وفيه استعظام لجنايتهم ، منبئ عن عظم عقوبتهم. وقيل : المعنى : فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم ، ولكنهم يجحدون بألسنتهم ، عنادا أو مكابرة. ويعضده ما روى سفيان الثوريّ عن أبي إسحاق عن ناجية عن عليّ رضي الله عنه قال : قال أبو جهل للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنا لا نكذب ، ولكن نكذب بما جئت به ، فأنزل الله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) الآية ـ رواه الحاكم وصححه.
وروى ابن جرير عن السدّي قال : لما كان يوم بدر ، خلا الأخنس بأبي جهل فقال : يا أبا الحكم! أخبرني عن محمد ، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا ، فقال أبو جهل : ويحك! والله إن محمد لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) فآيات الله محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال الرازي : وهذا القول غير مستبعد ، ونظيره قوله تعالى في قصة موسى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤]. وقيل : المعنى فإنهم لا يكذبونك لأنك عندهم الصادق الموسوم بالصدق ، ولكنهم يجحدون بآيات الله ، كما يروى أن أبا جهل كان يقول لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما نكذبك ، وإنك عندنا