وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥]. وكذلك قياس (١) المشركين الذين قاسوا الميتة بالمذكّى وقالوا أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله؟ قال تعالى (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١]. فهذه الأقيسة الفاسدة ، وكل قياس دل النص على فساده فهو فاسد ، وكل من ألحق منصوصا بمنصوص يخالف حكمه ، فقياسه فاسد. وكل من سوّى بين شيئين أو فرق بين شيئين بغير الأوصاف المعتبرة في حكم الله ورسوله فقياسه فاسد. لكن من القياس ما يعلم صحته ، ومنه ما يعلم فساده ، ومنه ما لم يتبين أمره. فمن أبطل القياس مطلقا فقوله باطل. ومن استدل بالقياس المخالف للشرع فقوله باطل.
ومن استدل بقياس لم يقم الدليل على صحته ، فقد استدل بما لا يعلم صحته ، بمنزلة من استدل برواية رجل مجهول لا يعلم عدالته ، فالحجج الأثرية والنظرية تنقسم إلى ما يعلم صحته ، وإلى ما يعلم فساده ، وإلى ما هو موقوف حتى يقوم الدليل على أحدها. ولفظ النص يراد به تارة ألفاظ الكتاب والسنة ، سواء كان اللفظ دلالته قطعية أو ظاهرة ، وهذا هو المراد من قول من قال : النصوص تتناول أفعال المكلفين. ويراد بالنص ما دلالته قطعية لا تحتمل النقيض ، كقوله (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦]. و (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) [الشورى : ١٧] ، فالكتاب هو النص ، والميزان هو العدل ، والقياس الصحيح من باب العدل ، فإنه تسوية بين المتماثلين ، وتفريق بين المختلفين. ودلالة القياس الصحيح توافق دلالة النص ، فكل قياس خالف دلالة النص فهو قياس فاسد. ولا يوجد نص يخالف قياسا صحيحا ، كما لا يوجد معقول صريح يخالف المنقول الصحيح ، ومن كان متبحرا في الأدلة الشرعية ، أمكنه أن يستدل على غالب الأحكام بالنصوص وبالأقيسة ، فثبت أن كل واحد من النص والقياس دل على هذا الحكم كما ذكرناه من الأمثلة ، فإن القياس يدل على تحريم كل مسكر ، كما يدل النص على ذلك ، فإن الله حرم الخمر لأنها توقع بيننا العداوة والبغضاء ، وتصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة ، كما دل القرآن على هذا المعنى. وهذا المعنى موجود في جميع الأشربة المسكرة ، لا فرق في ذلك بين
__________________
(١) أخرجه النسائيّ في : الضحايا ، ٤٠ ـ باب تأويل قول الله عزوجل : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، ونصه : عن ابن عباس في قوله عزوجل : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)، قال : خاصمهم المشركون فقالوا : ما ذبح الله فلا تأكلوه. وما ذبحتم أنتم أكلتموه.