الثانية. قال ابن كثير : أجابه تعالى إلى ما سأل ، لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع. ولا معقب لحكمه.
وقال الإمام أبو سعد المحسن بن كرامة الجشميّ اليمانيّ في تفسيره (التهذيب) : ومتى قيل : ما وجه سؤاله مع أنه مطرود وملعون؟ فجوابنا علمه بإحسانه تعالى إلى خلقه من أطاع ومن عصى ، فلم يمنعه من السؤال ما ارتكب من المعصية. ومتى قيل : هل خاطبه بهذا؟ قلنا : يحتمل ذاك ، ويحتمل أنه أمر ملكا فخاطبه به. ومتى قيل : هل يجوز إجابة دعاء الكافر؟ قلنا : فيه خلاف.
الأول : قيل لا ، لأنه إكرام وتعظيم ـ عن أبي عليّ ـ ولذلك يقال : فلان مستجاب الدعوة ، وإنظاره لا على سبيل إجابة دعائه ، لأنه ملعون ولأنه لم يسأل على وجه الخضوع.
الثاني : يجوز إجابة دعائه استصلاحا له ، لأنه تفضّل ـ عن أبي بكر أحمد بن عليّ ـ وليس بالوجه. ومتى قيل : إذا أنظر هل يكون إغراء بالمعصية؟ قلنا : لا ، لأنه لم يعلم ما الوقت المعلوم ، فلا يكون إغراء مع تجويزه هجوم الموت عليه ، ولأنه تعالى لما أعلمه أنه يدخله النار ، ولعنه ـ علم أنه لا يختار الإيمان أبدا. ومتى قيل : ما فائدة إنظاره؟ قلنا : لطف له ، لأنه يمكنه من استدراك أمره. وهل يضل به أحد؟ قال أبو عليّ ، لا ، لقوله تعالى : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) [الصافات : ١٦٢] ، (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ١٦٣]. ولأنه لو ضل به ، لكان بقاؤه مفسدة ، فكان الله تعالى لا ينظره. فأما أبو هاشم فيجوّز أن يضل به أحد ، ويكون بمنزلة زيادة الشهوة ، ويجوز أن يكون لطفا من وجوه : أحدها أن المكلف مع وسوسته إذا امتنع من القبيح ، وكان ثوابه أكثر ، ولأنه تعالى عرفنا عداوته ، والعاقل يجتهد في أن يغيظ عدوّه ويغمّه ، وذلك إنما يكون بطاعة ربه ، ومن أطاعه فمن قبل نفسه أتى ، لا من قبل ربه. انتهى كلام الجشمي ، وهو جار على أصول المعتزلة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٦)
(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) أي أضللتني عن الهدى ، أو حكمت بغوايتي. والباء للقسم ، كما في قوله تعالى : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) [ص : ٨٢]. أي : فأقسم بإغوائك إياي. وقيل : هي بمعنى لام التعليل ، أي : لأجل إغوائك إياي (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أي :