وقال غيره : المراد بالأمر هو الأمر التكويني ، لا القولي ، أي : التكليفي ، لأنه ليس في وسعهم حتى يؤمروا به. وفي الكلام استعارة تخييلية. شبه تأثير قدرته تعالى في المراد من غير توقف. ومن غير مزاولة عمل واستعمال آلة ، بأمر المطاع للمطيع ، في حصول المأمور به ، من غير توقف. كذا في (العناية).
وظاهر الآية يقتضي أن الله تعالى عذبهم أوّلا بعذاب شديد ، فعتوا بعد ذلك ، فمسخهم. ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلا لما قبلها.
تنبيهات :
الأول : قال الجشمي : تدل الآية على أنهم تعبدوا بتحريم الصيد يوم السبت ، وأنه شدد التكليف عليهم بظهورها يومئذ ، وأنهم خالفوا أمر الله ، وهذا القدر يقتضيه الظاهر. ومتى قيل : أفظهور الحيتان يوم السبت دون غيره من الأيام ، هل كانت معجزة؟ قلنا : اختلفوا فيه. فقيل : كان معجزة لنبيّ ذلك الزمان ، لأنه لا يتفق للسمك أن يأتي الأنهار كثيرا في يوم واحد ، ولا يظهر في سائر الأيام. فإن كان كذلك ، فلا بد أن الله تعالى قوى دواعي الحيتان يوم السبت ، فظهروا. وصرفهم في سائر الأيام ، فلم يظهروا ، فكانت معجزة. وقيل : كانت جرت عادتهم بترك الصيد يوم السبت ، فعلموا ذلك فكثروا في ذلك اليوم على عادتهم ، كما اعتاد الدواب كثيرا من الأشياء. انتهى.
وقد روي في اعتدائهم في السبت روايات :
منها ـ أنهم تحيلوا لاصطياد الحيتان فيه بوضع الحبائل والبرك قبل يوم السبت ، حتى إذا جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة ، نشبت بتلك الحبائل ، فلم تخلص منها يومها ، فإذا كان الليل ، أخذوها بعد انقضاء السبت.
ومنها ـ أنهم كانوا يأخذونها يوم السبت بالفعل ، ولكن يأكلونها في غيره من الأيام ، فتأول لهم الشيطان أن النهي عن الأكل فيه منها ، لا عن صيدها. فنهتهم طائفة منهم عن ذلك وقالت : ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف ، أو قذف ، أو بعض ما عنده من العذاب. فلما أصبحوا وجدوهم أصابهم من المسخ ما أصابهم ، وإذا هم قردة ـ رواه عبد الرزاق وابن جرير ـ وثمة روايات أخر.
وروي عن مجاهد أنهم مسخت قلوبهم ، لا أبدانهم ـ والله أعلم ـ.
الثاني ـ استدلّ بهذه القصة على تحريم الحيل.