قال الإمام ابن القيم في (إغاثة اللهفان) : ومن مكايد الشيطان التي كاد بها الإسلام وأهله ، الحيل والمكر والخداع ، الذي يتضمن تحليل ما حرم الله ، وإسقاط ما فرضه ، ومضادته في أمره ونهيه. وهي من الرأي الباطل الذي اتفق السلف على ذمه. فإن الرأي رأيان : رأي يوافق النصوص ، وتشهد له بالصحة والاعتبار ، وهو الذي اعتبره السلف ، وعملوا به. ورأي يخالف النصوص ، وتشهد له بالإبطال والإهدار ، فهو الذي ذموه وأنكروه. وكذلك الحيل نوعان : نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله تعالى به ، وترك ما نهى عنه ، والتخلص من الحرام ، وتخليص المحق من الظالم المانع له ، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي ، فهذا النوع محمود ، يثاب فاعله ومعلمه. ونوع يتضمن إسقاط الواجبات ، وتحليل المحرمات ، وقلب المظلوم ظالما ، والظالم مظلوما ، والحق باطلا ، والباطل حقا ، فهذا الذي اتفق السلف على ذمه ، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض.
ثم ساق الوجوه العديدة على تحريمه وإبطاله. وقال في سادسها :
إن الله تعالى أخبر عن أهل السبت من اليهود بمسخهم قردة لمّا احتالوا على إباحة ما حرم الله تعالى عليهم من الصيد ، بأن نصبوا الشباك يوم الجمعة ، فلما وقع فيها الصيد ، أخذوه يوم الأحد ، قال بعض الأئمة : ففي هذا زجر عظيم لمن يتعاطى الحيل على المناهي الشرعية ، ممن يتلبس بعلم الفقه ، وهو غير فقيه ، إذ الفقيه من يخشى الله تعالى بحفظ حدوده ، وتعظيم حرماته ، والوقوف عندها. ليس المتحيل على إباحة محارمه ، وإسقاط فرائضه ، ومعلوم أنهم لم يستحلوا ذلك تكذيبا لموسى عليهالسلام وكفرا بالتوراة ، وإنما هو استحلال تأويل. واحتيال ظاهره ظاهر الإيفاء ، وباطنه باطن الاعتداء ، ولهذا ـ والله أعلم ـ مسخوا قردة ، لأن صورة القرد فيها شبه من صورة الإنسان ، وفي أوصافه شبه منهم ، وهو مخالف له في الحد والحقيقة. فلما نسخ أولئك المعتدون دين الله تعالى بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض ظاهره ، دون حقيقته ، مسخهم الله قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم ، دون الحقيقة ، جزاء وفاقا.
ثم روي في عاشرها عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، وتستحلّوا محارم الله بأدنى الحيل».
الثالث ـ دلت الآيات على أن أهل هذه القرية صاروا إلى ثلاث فرق : فرقة ارتكبت المحذور ، واحتالوا على صيد السمك يوم السبت ، كما بيّنا. وفرقة نهت