وقوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) على إرادة القول ، أي قائلا : ألست بربكم ، ومالك أمركم ومربيكم على الإطلاق ، من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شؤونكم ، فينتظم استحقاق المعبودية ، ويستلزم اختصاصه به تعالى : (قالُوا بَلى شَهِدْنا) أي على أنفسنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك ، لأنهم بما ظهر عليهم من آثار الصنعة صاروا كأنهم قالوا (بَلى) ، وإن لم يكن هناك قول باللسان. فالآية من باب التمثيل المعروف في كلام العرب. مثّل تعالى خلقهم على فطرة التوحيد ، وإخراجهم من ظهور آبائهم ، شاهدين بربوبيته شهادة لا يخالجها ريب ، بحمله إياهم على الاعتراف بها بطريق الأمر ، ومسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا. والقصد من الآية الاحتجاج على المشركين بمعرفتهم ربوبيته تعالى معرفة فطرية ، لازمة لهم لزوم الإقرار منهم والشهادة. قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم : ٣٠] ، والفطرة هي معرفة ربوبيته.
وفي الصحيحين (١) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء. هل تحسون فيها من جدعاء؟».
والجمعاء سالمة الأذن ، والجدعاء مقطوعتها.
وفي صحيح مسلم (٢) عن عياض بن حمار قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم».
وروى الطبري عن الحسن عن الأسود بن سريع قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها».
قال الحسن : والله لقد قال الله في كتابه (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ...) الآية ـ رواه الإمام أحمد (٣) والنسائي ، بدون استشهاد الحسن بالآية.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الجنائز ، ٨٠ ـ باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه ، وهل يعرض على الصبي الإسلام ، حديث ٧١٦.
وأخرجه مسلم في : القدر ، حديث رقم ٢٢ ـ ٢٤.
(٢) أخرجه في : الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، حديث رقم ٦٣ ضمن حديث طويل.
(٣) أخرجه في المسند ٣ / ٤٣٥.