وأما الأخبار المروية في إخراج الذرية من صلب آدم عليهالسلام ، وتكليمه تعالى إياهم ، ونطقهم ، ثم إعادتهم إلى صلب أبيهم ـ فغير صحيحه الإسناد. وما حسن إسناده منها فغير صريح في ذلك ، بل هو أقرب إلى ألفاظ الآية ، كما بينه الحافظ ابن كثير. قال رحمهالله :
ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الإشهاد فطرهم على التوحيد كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض والأسود. وقد فسر الحسن الآية بذلك.
قالوا : ومعنى (أشهدهم) أي أوجدهم شاهدين بذلك ، قائلين له حالا وقالا. والشهادة تارة تكون بالقول ، كقوله : (قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) [الأنعام : ١٣٠] ، الآية ـ وتارة تكون حالا كقوله تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) [التوبة : ١٧] ، أي حالهم شاهدا عليهم بذلك ، لأنهم قائلون ذلك. وكذا قوله تعالى : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) [العاديات : ٧] ، كما أن السؤال تارة يكون بالقال ، وتارة يكون بالحال ، كقوله : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) [إبراهيم : ٣٤].
قالوا : مما يدل على أن المراد هذا ، أن جعل الإشهاد حجة عليهم في الإشراك ، فلو كان قد وقع كما قاله من قاله ، لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه. فإن قيل : إخبار الرسول صلىاللهعليهوسلم به كاف في وجوده ، فالجواب : أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره. وهذا جعل حجة مستقلة عليهم ، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد.
(أَنْ تَقُولُوا) أي كراهة أن تقولوا : (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي الذي يسأل فيه عن الربوبية والتوحيد (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا) أي عن ربوبيته وتوحيده (غافِلِينَ) أي لم ننبّه عليه. فإنهم حيث جبلوا على ما ذكر ، صاروا محجوبين عاجزين عن الاعتذار بذلك. إذ لا سبيل لأحد إلى إنكار ما ذكر من خلقهم على الفطرة السليمة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (١٧٣)
(أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا) أي سنوا الإشراك واخترعوه (مِنْ قَبْلُ) أي من