جعل حال الإثقال يخالف ما قبله ، وأنه يختص فيه الدعاء لأجل أنه حال الخوف. وقد ذهب الهادي إلى أن الحامل إذا أتى عليها من الحمل ستة أشهر ، كانت تصرفاتها كتصرفات المريض ، تنفذ من الثلث. وهو قول مالك والليث ، واحتجا بالآية ، لأنه تعالى فرق بين حال الخفة والإثقال. وقال غيرهما : تصرفها من الجميع ، ما لم يأخذها الطلق. قلنا : إنه يجوز عليها بعد الستة ، وضع الحمل في كل وقت. انتهى.
ثم قال : ودلت الآية على أنه يجوز الدعاء لطلب أمور الدنيا ، وإن حصول الولد منة يجب الشكر عليها. انتهى.
ثم استأنف تعالى توبيخ المشركين كافة ، واستقباح إشراكهم ، وإبطاله بالكلية ببيان شأن ما أشركوا به سبحانه ، وتفصيل أحواله القاضية ببطلان ما اعتقدوه في حقه ، بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (١٩١)
(أَيُشْرِكُونَ) أي بخالق الأشياء تعالى وتقدس (ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً) أي لا يقدر على خلق شيء ما ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) أي : ومن هذه صفته كيف يعبد؟ ومن حق المعبود أن يكون خالقا لعابده لا محالة (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أي بل هم مخلوقون مصنوعون ، كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [الصافات : ٩٥].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (١٩٢)
(وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ) أي لعبدتهم إذا حزبهم أمر (نَصْراً) أي بجلب نفع ، أو دفع ضر (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) إذا اعترتهم حادثة من الحوادث ، كما قال تعالى : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) [الحج : ٧٣] ، وكما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ، ويهينها غاية الإهانة.
وقد حكى ابن كثير أن معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما أسلما لما قدم النبيّ صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وكانا شابين ، فكانا يعدوان في الليل على