أصنام المشركين ، يكسرانها ويتلفانها ، ويتخذانها حطبا للأرامل ، ليعتبر قومهما. وكان لعمرو بن الجموح ـ وكان سيدا في قومه ـ صنم يعبده ويطيّبه ، فكانا يجيئان في الليل ، فينكسانه على رأسه ، ويلطخانه بالعذرة. فيجيء عمرو بن الجموح ، فيرى ما صنع به ، فيغسله ويطيبه ، ويضع عنده سيفا ، ويقول له : انتصر ، ثم يعودان لمثل ذلك ، ويعود إلى صنيعه أيضا. حتى أخذاه مرة ، فقرناه مع كلب ميت ، ودلّياه في حبل في بئر هناك ، فلما جاء عمرو بن الجموح ، ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل. وقال :
تالله لو كنت إلها مستدن |
|
لم تك والكلب جميعا في قرن |
(مستدن : ذليل مستعبد. والقرن : الحبل).
ثم أسلم فحسن إسلامه ، وقتل يوم أحد شهيدا ، رضي الله عنه وأرضاه.
تنبيه :
قال الجشمي : تدل الآية على صحة الحجاج في الدين ، لأن قوله : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ ..) الآية ـ حجاج. وتدل على أن المستحق للعبادة الذي يخلق وينعم ويقدر على النفع والضر هو الله تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) (١٩٣)
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) أيها المشركون (إِلَى الْهُدى) أي إلى ما فيه رشاد (لا يَتَّبِعُوكُمْ) أي إلى مرادكم وطلبتكم (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها ، كما قال إبراهيم (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) [مريم : ٤٢]. وجوّز في الآية أن يكون المعنى : وإن تدعوهم إلى أن يهدوكم وتطلبوا منهم ، كما تطلبون من الله ، الخير والشرّ ، لا يجيبوكم كما يجيبكم الله ، لقوله تعالى بعد : (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الأعراف : ١٩٤].
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٩٤)
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ)