تنبيه :
في الآية دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور ، وأنه مستهجن في الطباع ولذلك سميت سوأة ، لأنه يسوء صاحبها.
قال الحاكم : وقد استدل قوم بالآية على وجوب ستر العورة ، وأنه كان في شريعة آدم عليهالسلام. قال القاضي : لا دليل في الآية على الوجوب ، لأنه ليس فيها إلا أنهما فعلا ذلك. قال الأصم : في الآية دليل على أنهما كرها التعرّي ، وإن لم يكن لهما ثالث ، ففي ذلك دليل على قبح التعرّي ، وإن لم يكن مع المتعري أحد ، إلا لحاجة.
(وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا) أي : إلّا كراهة أن تكونا (مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) أي : من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين. وقد استدل بهذا من رأى تفضيل الملائكة على الأنبياء ، لارتكابهما ذلك طمعا في نيل ما ذكر. وأجاب ، من لم ير هذا ، باحتمال أن تكون هذه الواقعة قبل نبوة آدم. ولئن كانت بعدها ، فلعل آدم رغب في الملكية للقوة والشدة والقدرة ، أو لخلقة الذات ، بأن يصير جوهرا نورانيّا ـ أشار له الرازي ـ
وقال الناصر : لا يلزم من اعتقاد إبليس لذلك ووسوسته بأن الملائكة أفضل ، أن يكون الأمر كذلك في علمه تعالى. ألا ترى إبليس قد أخبر أن الله تعالى منعهما من الشجرة حتى لا يخلدا أو لا يكونا ملكين ، وهو في ذلك كاذب مبطل فلا دليل فيه إذا ، وليس في الآية ما يوجب تقرير الله تعالى لإبليس على ذلك ، ولا تصديقه فيه ، بل ختمت الآية بما يدل على أنه كذب لهما وغرّهما ، إذ قال الله تعالى : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) فلعل تفضيل الملائكة على النبوة من جملة غروره ـ انتهى ـ.
قال السيوطي في (الإكليل) : وأنا أقول : لا أزال أتعجب ممن أخذ يستدل من هذه الآية. والكلام الذي فيها ، حكاه الله تعالى عن قول إبليس في معرض المناداة عليه بالكذب والغرور والزور والتدليس. وإنما يستدل من كلامه تعالى ، أو من كلام حكاه عن بعض أنبيائه. وإن لم يكن ذلك ، فكلام حكاه راضيا به مقرّا له ـ انتهى.
على أنه قرئ (ملكين) بكسر اللام ، كان يقرؤها كذلك ابن عباس ويحيى بن أبي كثير. قال الواحديّ إنما أتاهما إبليس من جهة الملك. ويدل على هذا قوله تعالى (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] ـ انتهى ـ.