اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ ، قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ...) [هود : ٥٤ ـ ٥٦] الآية.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (١٩٧)
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) أي لا يتولون أحدا ، لأنهم لا يستطيعون نصركم (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) أي إذا قصد إضرارهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لايُبْصِرُونَ) (١٩٨)
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) إذ ليس لهم سمع ، وإن صوّرت لهم الآذان. كما أنه لا بصر لهم ، وإن صورت لهم الأعين. كما قال : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) إذ صورت لهم الأعين (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) لأنهم جماد عوملوا معاملة من يعقل ، فعبر عنهم بضميره ، لأنهم على صور مصورة كالإنسان. وهذا من تمام التعليل ، لعدم مبالاته بهم ، فلا تكرار.
وقال السدّيّ : المراد بهذا (المشركون) وروي عن مجاهد نحوه ، أي وإن كانوا ينظرون إليك ، فإنهم لا ينتفعون بالنظر والرؤية.
قال ابن كثير : والأول أولى ، وهو اختيار ابن جرير ، وقاله قتادة. أي تفصيا من التفكيك ، لأن المحدث عنهم الأصنام.
تنبيه :
من غرائب استنباط المعتزلة قولهم في هذه الآية ـ والعبارة للجشمي ـ ما مثاله : تدل الآية على أن النظر غير الرؤية ، وأنه لا يقتضي الرؤية ، لذلك أثبتهم ناظرين غير رائين.
قال : ومثله قولهم نظرت إلى الهلال فلم أره. ويقسمون النظر إلى وجوه ، ولا تنقسم الرؤية.
قال : فبطل قول من يقول : إن قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣] ، يقتضي الرؤية. انتهى.