ولا يخفى أن الأصل في إطلاق النظر هو الرؤية والإبصار ، ولذلك تتعاقب في هذا المعنى ، وتترادف كثيرا ، وانفكاكه عن الرؤية في هذه الآية لقرينة كون المحدّث عنهم جمادا ، ولا قرينة في الآية لتقاس على ما هنا. دع ما صح من الأخبار في وقوعها ، مما هو بيان لها ـ فافهم ـ.
ثم أمر تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم بالصفح عن المشركين ، إذا جادلوه في شركائهم بعد هذا البيان ، بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١٩٩)
(خُذِ الْعَفْوَ) أي مكان الغضب ، ليكونوا أقبل للنصيحة (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي بالجميل المستحسن من الأفعال ، فإنها قريبة من قبول الناس من غير نكير ، ولما كان الناصح لغيره ، كالمعرّض لعدوانهم ، ثلّث بما يحتاج إليه في ذلك فقال : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) أي المصرّين على جهلهم ، فلا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ، ولا تمارهم ، واحلم عنهم ، وأغض على ما يسوؤك منهم.
تنبيهان :
الأول ـ قال بعض العلماء : إن سر الشريعة في الطباع والعادات ، هو تأييد المستحسن ومحو المستقبح. وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فإن المعروف ما عرفته الطباع السليمة واستحسنته ، والمنكر ما أنكرته واستقبحته. ذلك لأن غاية الشريعة راحة الخلق على حال ونظام معقولين ، فلا يصح الحكم بتوحيد العادات في كل البلاد.
الثاني : روي عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قال : أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم بمكارم الأخلاق ، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.
وروى البخاري (١) عن ابن عباس أن عيينة بن حصين قال لعمر بن الخطاب : هي يا ابن الخطاب! فو الله ، ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم فينا بالعدل ، فغضب عمر ، حتى همّ أن يوقع به. فقال له الحرّ بن قيس : يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيه
__________________
(١) أخرجه البخاري في : التفسير ، ٧ ـ سورة الأعراف ، ٥ ـ باب (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) ، حديث ٢٠٠٤.