لاشتماله على آيات وسور ، جعل كل منها بصيرة. والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم ـ لتأكيد وجوب الإيمان بها (وَهُدىً) أي من الضلالة (وَرَحْمَةٌ) أي من العذاب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي به ، فيتفكرون في حقائقه.
تنبيه :
قال الجشمي : تدل الآية أنه تعالى ينزل الآيات بحسب المصلحة ، لا بحسب اقتراحهم ، لأن ذلك قد يكون فسادا. ويدل قوله : (هذا بَصائِرُ) أن المعارف مكتسبة. وتدل أن جميع ما يقوله الرسول ويفعله من الشرع من وحيه ، لذلك قال : (أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَ) ، ومتى قيل : هل تدل الآية على أنه لا يجتهد ولا يقيس؟ قلنا : لا! لأن القياس والاجتهاد إذا كان متعبدا به ، فاتباعه اتباع الوحي. كالعاميّ يقبل من المفتي ، والعالم يجتهد ، ويتبع الوحي ، كذلك هذا. والذي يدل عليه أن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يفعل شيئا من تلقاء نفسه حتى يؤمر به ـ انتهى كلامه ـ وفي إطلاقه تفصيل له موضع آخر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٢٠٤)
(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) أي عن حديث النفس وغيره (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة ، أرشد إلى طريق الفوز بما انطوى عليه من منافعه الجليلة. أي وإذا قرئ القرآن الذي ذكرت خصائصه ، فاستمعوا له ، أي أصغوا إليه بأسماعكم لتفهموا معانيه ، وتتدبروا مواعظه ، وأنصتوا لقراءته حتى تنقضي ، إعظاما له واحتراما ، لكي تفوزوا بالرحمة التي هي أعظم ثمراته ، لا كما يعتمده كفار قريش من قولهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦].
تنبيهات :
الأول ـ ظاهر الآية يقتضي وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها ، وعليه أهل الظاهر ، وهو قول الحسن البصريّ وأبي مسلم الأصفهاني. وقد روى مسلم (١) عن أبي موسى الأشعريّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنما جعل
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الصلاة ، حديث ٧٧ ـ ٨١ عن أنس و ٨٢ عن عائشة و ٨٦ عن أبي هريرة أما حديث أبي موسى فلم أهتد إليه.