القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) (٢٠٢)
(وَإِخْوانُهُمْ) يعني وأما إخوان الشياطين من شياطين الإنس. كقوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) [الإسراء : ٢٧] ، وهم الذين لم يتقوا ، فلم يتأت لهم التذكر ، ولا ينفع فيهم الاستعاذة لأن الشياطين (يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) أي يكونون مددا لهم بتكثير الشبه والتزيين والتسهيل في الضلال ، يعني تساعدهم الشياطين على المعاصي ، وتسهلها عليهم وتحسّنها لهم (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) أي لا يمسكون عن إغوائهم ، حتى يصرّوا ولا يرجعوا. يعني أن الشياطين يمدون أولياءهم من الإنس ، ولا يسأمون من إمدادهم من الشر ، لأن ذلك طبيعة لهم وسجية : وجوز عود الضمير ل (الإخوان) ، أي لا يرعوون عن الغيّ ولا يقصرون ، وإن بولغ عليهم في الوعظ بآيات الله ، وإقامة الدلائل ، ورفع الشبه ، وغير ذلك. وجوز أيضا أن يراد أيضا ب (الإخوان) الشياطين ، ويرجع الضمير إلى (الْجاهِلِينَ) أي وإخوان الجاهلين ، وهم الشياطين ، يمدون الجاهلين في الغيّ.
قال الزمخشري : والأول أوجه ، لأن (إخوانهم) في مقابلة (الَّذِينَ اتَّقَوْا).
ثم بين تعالى ، من أنواع إغوائهم ، لجاجهم في طلب آيات معينة ، وتعنتهم في اقتراحها ، مع أن لديهم المعجزة العظمى ، والخارقة الكبرى ، وهي القرآن العظيم ، فقال سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٠٣)
(وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) أي مما اقترحوه (قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) أي هلا تكلفتها وأنشأتها من عندك (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) أي فلست بمفتعل للآيات ، ولا أتقدم إليه تعالى في شيء منها. ثم أرشدهم تعالى إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات ، وأبين الدلالات ، وأصدق الحجج والبينات ، فقال سبحانه (هذا) أي القرآن (بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) أي بمنزلة البصائر للقلوب ، بها يبصر الحق ، ويدرك الصواب. فالكلام على طريقة التشبيه البليغ. أو سبب البصائر ، فهو مجاز مرسل. أو استعارة لإرشاده. أو المعنى : حجج بيّنة ، وبراهين نيّرة. وإنما جمع خبر المفرد