قدمنا في مقدمة الكتاب مصطلح السلف في قولهم (نزلت هذه الآية في كذا) وبيّنّا أنه قد يراد بذلك ، أن الآية تشمل ذلك الشيء لدخوله في عمومها ، لا أنه سبب لنزولها ، وذلك في بعض المقامات ، وما هنا منه. وبتحقيق هذا يسقط ما للرازي هنا من أنه إذا قيل بنزولها في منع المأموم من الجهر بالقراءة ، يذهب تناسب الآية مع ما قبلها من إفحام المشركين ، بأن يستمعوا لقراءته ، ليقفوا على إعجازه. وما للخازن ، بأن الآية مكية ، وخطبة الجمعة والعيدين شرعتا بالمدينة ـ فافهمه ـ.
الثالث ـ روى الأمام أحمد (١) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من استمع إلى آية من كتاب الله ، كتبت له حسنة مضاعفة ، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة».
قال ابن كثير تفرد به الإمام أحمد رحمهالله تعالى.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) (٢٠٥)
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد عامّ. أو المعنى : واذكر ربك أيها الإنسان. والأول أظهر ، لأن ما خوطب به النبيّ صلىاللهعليهوسلم ولم يكن من خصائصه ، فإنه مشروع لأمته. وقد أوضح هذا آية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب : ٤١ ـ ٤٢]. والأمر بالذكر ، قال الزمخشريّ : هو عام في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك. وقال بعض الزيدية : هذا الأمر يحتمل الوجوب ، إن فسر الذكر بالصلاة ، وإن أريد الدعاء أو الذكر باللسان ، فهو محمول على الاستحباب. قال : وبكلّ فسرت الآية.
ثم إنه تعالى ذكر آدابا لذكره :
الأول ـ أن يكون في نفسه ، لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص ، وأقرب إلى الإجابة ، وأبعد من الرياء.
__________________
(١) أخرجه في المسند ٢ / ٣٤١.