وقوله تعالى : (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي منازل ومقامات عاليات في الجنة (وَمَغْفِرَةٌ) أي تجاوز لسيئاتهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وهو ما أعدّ لهم من نعيم الجنة.
تنبيه :
قال الجشمي : تدل الآية على أشياء :
منها : أن الإيمان اسم شرعي لثلاث خصال : القول ، والاعتقاد ، والعمل. خلاف ما تقوله المرجئة. لأن الوجل وزيادة التصديق من فعل القلب ، والتدبر والتفكر كذلك ، والصلاة والإنفاق من أعمال الجوارح ، والتوكل يشتمل على فعل القلب والجوارح. ثم بين في آخره أن من جمع هذه الخصال فهو المؤمن حقا.
ومنها : أنها تدل على أن الإيمان يزيد وينقص ، لأن هذه الطاعات تزيد وتنقص ، وقد نص على ذلك في قوله (زادَتْهُمْ إِيماناً).
ومنها : أن الواجب عند تلاوة القرآن التدبر والتفكر فيما أمر ونهى ، ووعد وأوعد ، لينجرّ للرغبة والرهبة. وذلك حثّ على الطاعة ، وزجر عن المعاصي.
ومنها : وجوب التوكل عليه. والتوكل على ضربين : منها في الدنيا ، ومنها في الدين. أما في الدنيا فلا بد من خصال :
منها : أن يطلب مصالح دنياه من الوجه الذي أتيح له ، ولا يطلب محرما.
ومنها : إذا حرم الرزق الحلال لا يعدل إلى محرّم.
ومنها : ألا يظهر الجزع عند الضيق ، بل يسلك فيه طريق الصبر ، واعتقاد أن ما هو فيه مصلحة له.
ومنها : أن ما يرزق من النعم بعدها ، من جهته تعالى. إما بنفسه أو بواسطة.
ومنها : ألا يحبسه عن حقوقه خشية الفقر.
ومنها : ألا يسرف في النفقة ولا يقتر.
فعند اجتماع هذه الخصال يصير متوكلا.
فأما الذي يزعمه بعضهم ؛ أن التوكل إهمال النفس ، وترك العمل ـ فليس بشيء. وقد أمر الله تعالى بالإنفاق ، وبالعمل. وثبت عن الصحابة ـ وهم سادات الإسلام ـ التجارة والزراعة والأعمال. وكذلك التابعين. وبهذا أجرى الله العادة. وقد أمر النبيّ (١) صلىاللهعليهوسلم الأعرابيّ أن يعقل ناقته ويتوكل.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : صفة القيامة والرقائق والورع ، ٦٠ ـ باب حدثنا عمرو بن عليّ.