فأما التوكل في الدين فخصال :
منها : أن يقوم بالواجبات ، ويجتنب المحارم ، لأنه بذلك يصل إلى الجنة والرحمة.
ومنها : أن يسأله التوفيق والعصمة.
ومنها : أن يرى جميع نعمه منه ، إذ حصل بهدايته وتمكينه ولطفه.
ومنها : أن لا يثق بطاعته جملة ، بل يطيع ويجتنب المعاصي ، ويرجو رحمة ربه ، ويخاف عذابه. فعند ذلك يكون متوكلا.
ثم قال الجشمي : وتدل الآية على أن تارك الصلاة والزكاة لا يكون مؤمنا ، خلاف قول المرجئة. انتهى.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (٥)
(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) الكاف في (كما) كاف التشبيه ، والعامل فيه يحتمل وجوها ، فإما هو معنى الفعل الذي دل عليه (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ) ، تقديره نزع الأنفال من أيديهم بالحق ، كما أخرجك بالحق. وإما هو معنى الحق ، يعني هذا الذكر حق ، كما أخرجك بالحق. وإما أنه خبر مبتدأ محذوف هو المشبه ، أي حالهم هذه في كراهة تنفيل الغزاة ، كحال إخراجك من بيتك للحرب في كراهتهم له (كما سيأتي في تفصيل القصة). وهذا هو قول الفرّاء ، فإنه قال : الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته ، بالقصة المتقدمة ، التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها ، مع أنها أولى بحالهم.
وقوله تعالى : (مِنْ بَيْتِكَ) أراد به بالمدينة ، أو المدينة نفسها ، لأنها مثواه. أي إخراجه إلى بدر. وزعم بعض أن المراد إخراجه صلىاللهعليهوسلم من مكة إلى المدينة للهجرة. وهو ساقط ، برده سياق القصة البدرية في الآيات بعد. وملخصها أن أبا سفيان قدم بعير من الشام في تجارة عظيمة ، فخرج النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ليغنموها ، فعلمت قريش. فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبّوا عنها ، وهم النفير. وأخذ أبو سفيان بالعير