إلى فئة وإن بعدت ، وإذا لم يقصد الإقلاع عن الجهات. وحمل عليه حديث ابن عمر المذكور.
وعن الكرخي : أن الثبات والمصابرة واجب ، إذا لم يخش الاستئصال ، وعرف عدم نكايته للكفار ، والتجأ إلى مصر للمسلمين ، أو جيش ، وهكذا أطلق في (شرح الإبانة) فلم يبح الفرار إلا بهذه الشروط الثلاثة ، ولم يعتبر العدد الآتي بيانه.
الرابع ـ روي عن عطاء أن حكم هذه الآية منسوخ بقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) [الأنفال : ٦٦] ، قال الحاكم : إذا أمكن الجمع فلا نسخ وأقول : كنا أسلفنا أن السلف كثيرا ما يعنون ب (النسخ) تقييد المطلق ، أو تخصيص العامّ ، فلا ينافي كونها محكمة إطلاقهم النسخ عليها.
قال بعض الأئمة : هذه الآية عامة تقضي بوجوب المصابرة ، وإن تضاعف عدد المشركين أضعافا كثيرة. لكن هذا العموم مخصوص بقوله تعالى في السورة هذه : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً) [الأنفال : ٦٥] فأوجب الله المصابرة على الواحد للعشرة. لأنه خبر معناه الأمر. فلما شق ذلك على المسلمين رحمهمالله تعالى ، وأوجب على الواحد مصابرة الاثنين ، فقال تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) [الأنفال : ٦٦].
وعن ابن عباس : من فرّ من اثنين فقد فرّ ، ومن فرّ من ثلاثة فلم يفرّ.
وبالجملة ، فلا منافاة بين هذه الآية وآية الضّعف ، فإن هذه الآية مقيدة بها ، فيكون الفرار من الزحف محرما بشرط ما بينه الله في آية الضّعف.
وفي (المهذب) : إن زاد عددهم على مثلي عدد المسلمين ، جاز الفرار. لكن إن غلب على ظنهم أنهم لا يهلكون ، فالأفضل الثبات. وإن ظنوا الهلاك ، فوجهان : يلزم الانصراف لقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥]. والثاني : يستحب ولا يجب ، لأنهم إن قتلوا فازوا بالشهادة. وإن لم يزد عدد الكفار على مثلي عدد المسلمين ، فإن لم يظنوا الهلاك ، لم يجز الفرار. وإن ظنوه فوجهان : يجوز لقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥]. ولا يجوز ، وصححوه لظاهر الآية.
ثم بيّن تعالى أن نصرهم يوم بدر ، مع قلتهم ، كان بحوله تعالى وقوته ، فقال سبحانه :