القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣)
(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) بيان للموجب لإمهالهم ، وعدم إجابة دعائهم. واللام لتأكيد النفي ، والدلالة على أن تعذيبهم ، والنبيّ بين أظهرهم ، غير مستقيم في الحكمة ، لأن سنته تعالى ، وقضية حكمته ، ألا يعذب أمة ونبيها بين ظهرانيها ، لأنه لو نزل العذاب في مكانهم لأصاب كل من كان فيه. وفيه إشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم.
وقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ذكروا فيه ثلاثة أوجه :
الأول ـ أن المراد استغفار من بقي بين أظهرهم من المسلمين المستضعفين. قال الطيبي : وهذا الوجه أبلغ ، لدلالته على أن استغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال هؤلاء الكفرة.
والثاني ـ أن المراد به دعاء الكفرة بالمغفرة ، وقولهم : (غفرانك) في طوافهم بالبيت ، كما رواه ابن أبي حاتم. فيكون مجرد طلب المغفرة منه تعالى مانعا من عذابه ، ولو من الكفرة.
والثالث ـ أن المراد بالاستغفار التوبة ، والرجوع عن جميع ما هم عليه من الكفر وغيره ، فيكون القيد منفيّا في هذا ، ثابتا في الوجهين الأولين.
قال القاشاني : العذاب سورة الغضب وأثره ، فلا يكون إلا من غضب النبيّ ، أو من غضب الله المسبب من ذنوب الأمة ، والنبيّ عليه الصلاة والسلام كان صورة الرحمة ، لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧]. ولهذا لما كسروا رباعيته قال : (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ولم يغضب كما غضب نوح عليهالسلام وقال (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٢٦]. فوجوده فيهم مانع من نزول العذاب ، وكذا وجود الاستغفار ، فإن السبب الأوّليّ للعذاب لما كان وجود الذنب ، والاستغفار مانع من تراكم الذنب وثباته ، بل يوجب زواله ، فلا يتسبب لغضب الله ، فما دام الاستغفار فيهم فهم لا يعذبون. انتهى.
روى الترمذي (١) عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنزل الله
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : التفسير ، ٨ ـ سورة الأنفال ، ٤ ـ باب حدثنا سفيان بن وكيع.