عليّ أمانين لأمتي (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ..) الآية. فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة.
قال ابن كثير : ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد (١) والحاكم وصححه ، عن أبي سعيد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن إبليس قال لربه : بعزتك وجلالك ، ولا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم ، فقال الله : فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني.
وروى الإمام أحمد (٢) عن فضالة بن عبيد عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : العبد آمن من عذاب الله عزوجل ما استغفر الله عزوجل.
ثم بيّن تعالى أنهم أهل للعذاب لو لا المانع المتقدم بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣٤)
(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي وأيّ شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم ، وحالهم الصد عن المسجد الحرام ، كما صدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية. ومن صدهم عنه إلجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين إلى الهجرة.
قال القاشاني : أي ليس عدم نزول العذاب لعدم استحقاقهم لذلك بحسب أنفسهم ، بل إنهم مستحقون بذواتهم ، لصدودهم ، وصدهم المستعدين ، وعدم بقاء الخيرية فيهم. ولكن يمنعه وجودك ووجود المؤمنين المستغفرين معك فيهم. ثم قال : واعلم أن الوجود الإمكاني يتبع الخير الغالب ، لأن الوجود الواجبيّ هو الخير المحض. فما رجع خيره على شره فهو موجود بوجوده بالمناسبة الخيرية ، وإذا غلب الشر لم تبق المناسبة ، فلزم استئصاله وإعدامه. فهم ما داموا على الصورة الاجتماعية كان الخير فيهم غالبا ، فلم يستحقوا الدمار بالعذاب. وأما إذا تفرقوا فما بقي إلا شرهم خالصا فوجب تدميرهم ، كما وقع في وقعة بدر. ومن هذا يظهر تحقيق المعنى الثاني في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣ / ٢٩.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣ / ٢٠.