وقال ابن كثير : وأول هذه السورة نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما رجع من غزوة (تبوك) ، وهمّ بالحج. ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك. وأنهم يطوفون بالبيت عراة ، فكره مخالطتهم ، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرا على الحج تلك السنة ، ليقيم للناس مناسكهم ، ويعلم المشركون ألا يحجوا بعد عامهم هذا ، وأن ينادي بالناس (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ، فلما قفل ، أتبعه بعليّ بن أبي طالب ، ليكون مبلغا عنه صلىاللهعليهوسلم ، لكونه عصبة له ، كما سيأتي.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) (٢)
(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أي فقولوا لهم : سيروا في الأرض بعد نبذنا العهد آمنين من القتل والقتال مدة أربعة أشهر ، وذلك من يوم النحر إلى عشر يخلون من ربيع الآخر. والمقصود تأمينهم من القتل ، وتفكرهم واحتياطهم ، ليعلموا أنهم ليس لهم بعدها إلا السيف ، وليعلموا قوة المسلمين إذ لم يخشوا استعدادهم لهم. وهذه الأربعة الأشهر كانت عهدا لمن له عهد دون الأربعة الأشهر ، فأتمت له. فأما من كان له عهد موقت ، فأجله إلى مدته ، مهما كانت ، لقوله تعالى : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) [التوبة : ٤] ، كما يأتي. روي هذا عن غير واحد ، واختاره ابن جرير. وقال مجاهد : هذا تأجيل للمشركين مطلقا ، فمن كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر رفع إليها ، ومن كانت أكثر حط إليها ، ومن كان عهده بغير أجل حدّ بها ، ثم هو بعد ذلك حرب لله ولرسوله ، يقتل حيث أدرك ويؤسر ، إلا أن يتوب ويؤمن.
أقول : ولا يرد عليه إطلاق قوله تعالى : (إِلى مُدَّتِهِمْ) ، لأن له أن يجيب بأن الإضافة للعهد ، أي المدة المعهودة وهي الأربعة الأشهر. والله أعلم.
(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) يعني أن هذا الإمهال ليس لعجز عنكم ، ولكن لحكمة ولطف بكم. أي فلا تفوتونه. وإن أمهلكم (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) أي مذلّهم بالقتل في الدنيا ، والعذاب في الآخرة.