القول في تأويل قوله تعالى :
(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣)
(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ). (الأذان) بمعنى الإيذان ، وهو الإعلام ، كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء. وارتفاعه كارتفاع (بَراءَةٌ) وهذه الجملة معطوفة على مثلها ، والفرق بين معنى الجملة الأولى والثانية أن تلك إخبار بثبوت البراءة ، وهذه إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت ، وإنما علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين ، وعلق الأذان بالناس ، لأن البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم ، وأما الأذان فعامّ لجميع الناس ، من عاهد ومن لم يعاهد ، ومن نكث من المعاهدين ومن لم ينكث. كذا في (الكشاف).
ويوم الحج الأكبر : قيل يوم عرفة ، وقيل يوم النحر.
قال ابن القيم : وهو الصواب ، لأنه ثبت في الصحيحين (١) أن أبا بكر وعليّا رضي الله عنهما ، أذّنا بذلك يوم النحر ، لا يوم عرفة.
وفي سنن أبي داود (٢) بأصح إسناد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : يوم الحج الأكبر يوم النحر ، وكذلك قال أبو هريرة وجماعة من الصحابة.
ويوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه ، فإن فيه يكون الوقوف والتضرع والتوبة والابتهال والاستقالة ، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة ، ولهذا سمي طوافه طواف الزيارة ، لأنه قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة ، ثم أذن لهم يوم النحر في زيارته ، والدخول عليه إلى بيته ، ولهذا كان فيه ذبح القرابين ، وحلق الرؤوس ، ورمي الجمار ومعظم أفعال الحج وعمل يوم عرفة ، كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم ، انتهى.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : التفسير ، ٩ ـ سورة التوبة ، ٢ ـ باب قوله : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ، و ٣ ـ باب قوله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ، حديث رقم ٢٤٥.
وأخرجه مسلم في : الحج ، حديث رقم ٤٣٥.
(٢) أخرجه أبو داود في : المناسك ، ٦٦ ـ باب يوم الحج الأكبر ، حديث رقم ١٩٤٥ و ١٩٤٦.