القول في تأويل قوله تعالى :
(ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٧)
(ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) أي منهم ، لحكمة تقتضيه. أي يوفقه للإسلام (وَاللهُ غَفُورٌ) أي يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصي (رَحِيمٌ) أي يتفضل عليهم ويثيبهم.
تنبيهات :
الأول ـ فيما نقل في غزوة (حنين) ، وتسمى غزوة (أوطاس) ، وهما موضعان بين مكة والطائف ، فسميت الغزوة باسم مكانها ، وتسمى غزوة (هوازن) ، لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة ، في شوال سنة ثمان من الهجرة ، فإن الفتح كان لعشر بقين من رمضان ، وبعده أقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة خمس عشرة ليلة ، وهو يقصر الصلاة ، فبلغه أن هوازن وثقيف جمعوا له ، وهم عامدون إلى مكة ، وقد نزلوا (حنينا) وكانوا ، حين سمعوا بمخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، يظنون أنه إنما يريهم. فاجتمعت هوازن إلى مالك بن عوف من بني نصر ، وقد أوعب معه بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبني جشم بن معاوية وبني سعد بن بكر ، وناسا من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية والأحلاف وبني مالك بن ثقيف بن بكر. وفي جشم دريد بن الصمة رئيسهم وكبيرهم. شيخ كبير ، ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شجاعا مجربا ، وجميع أمر الناس إلى مالك ابن عوف. فلما أتاهم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتح مكة ، أقبلوا عامدين إليه فأجمع السير إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، يرى أنه أثبت لموقفهم. فلما نزل بأوطاس ، اجتمع إليه الناس ، فقال دريد : بأي واد أنتم؟ قالوا : بأوطاس. قال : نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس. مالي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، ويعار الشاء وبكاء الصغير؟ قالوا : ساق مالك مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم ليقاتلوا عنها ، فقال : راعي ضأن والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه. وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك! ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا : لم يشهدها أحد منهم. قال : غاب الحدّ والجدّ ، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنهم كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلا. فمن شهدها منكم؟ قالوا : عمرو وعوف ابنا عامر. قال : ذانك