أي : يحمل الضمير في (اتَّخَذُوا) على الكافر المقصر في النظر. وأما الذين اجتهدوا وبذلوا الوسع فمعذورون ، كما هو مذهب البعض ـ كذا في (العناية).
الثاني : قال الرازي : هذه الآية تدل على أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في صحة الدين ، بل لا بد فيه من الجزم والقطع واليقين ، لأنه تعالى عاب الكفار بأنهم يحسبون كونهم مهتدين. ولو لا أن هذا الحسبان مذموم ، لما ذمهم بذلك. انتهى.
قال المهايمي : ومما حسبوا فيه أنهم مهتدون بمتابعة الشيطان ، تركهم التزين والتلذذ مع العبادة ، فطافوا عراة. وتركهم اللحم والدسم مع الإحرام ، فقال عزوجل :
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٣١)
(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) أي : من اللباس (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي : بيت بني للعبادة ، على أنه اسم مكان ، أو مصدر بمعنى السجود ، مرادا به الصلاة والعبادة. فإن العبادة أولى أوقات التزين (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) أيام الحج تقوّيا على العبادة (وَلا تُسْرِفُوا) أي : إسرافا يوجب الانهماك في الشهوات ويشغل عن العبادة ، أو لا تحرموا الطيبات من الرزق واللحم والدسم (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) المعتدين.
تنبيهات :
الأول ـ كنا أسلفنا في مقدمة هذا التفسير ، أن من فوائد معرفة سبب النزول الوقوف على المعنى ، وإزالة الإشكال. وهذه الآية إنما أجملنا تفسيرها بما ذكرنا ، لأنها نزلت في ذلك.
فقد روى مسلم (١) عن ابن عباس قال : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة ، فتقول : من يعيرني تطوافا؟ تجعله على فرجها وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كلّه |
|
وما بدا منه فلا أحلّه |
فنزلت هذه الآية (خُذُوا زِينَتَكُمْ ...) الآية. ونزلت (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ ...) الآية.
__________________
(١) أخرجه مسلم في : التفسير ، حديث ٢٥.