وعند ابن جرير عن ابن عباس قال : كانوا يطوفون عراة ، الرجال بالنهار ، والنساء بالليل ، وكانت المرأة تقول :
اليوم يبدو بعضه أو كلّه |
|
فما بدا منه فلا أحلّه |
فنزلت (خُذُوا زِينَتَكُمْ). قال في (اللباب) : وفي رواية أخرى عنه : فأمرهم الله تعالى أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرّوا. وروى العوفيّ عن ابن عباس أيضا في الآية قال : كان رجال يطوفون بالبيت عراة ، فأمرهم الله بالزينة ، والزينة اللباس ، وهو ما يواري السوأة ، وما سوى ذلك من جيد البزّ والمتاع ، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد. وأخرج أبو الشيخ عن طاوس قال : أمروا بلبس الثياب ، وأخرج من وجه آخر عنه قال : الشملة من الزينة. وقال مجاهد : كان حيّ من أهل اليمن إذا قدم أحدهم حاجّا أو معتمرا يقول : لا ينبغي لي أن أطوف في ثوب قد عصيت فيه ، فيقول : من يعيرني مئزرا؟ فإن قدر عليه وإلّا طاف عريانا. فأنزل الله تعالى فيه ما تسمعون : (خُذُوا زِينَتَكُمْ ...) الآية.
وقال الزهري : إن العرب كنت تطوف بالبيت عراة إلا الحمس ـ وهم قريش وأحلافهم ـ فمن جاء من غير الحمس ، وضع ثيابه ، وطاف في ثوب أحمسيّ ، ويرى أنه لا يحل له أن يلبس ثيابه. فإن لم يجد من يعيره من الحمس فإنه يلقي ثيابه ، ويطوف عريانا. وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها ، إذا قضى طوافه وحرّمها ، أي جعلها حراما عليه ، فلذلك قال تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ). والمراد من الزينة الثياب التي تستر العورة. قال مجاهد : ما يواري عوراتكم ، ولو عباءة ـ انتهى ـ قال ابن كثير : هكذا قال مجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير وقتادة والسدّى ، والضحاك ومالك عن الزهري وغير واحد من أئمة السلف في تفسيرها : أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت عراة ـ انتهى ـ فظهر أن المراد بالزينة ما يستر العورة لأنه اللازم المأمور به الذي بيّنه سبب النزول ، دون لباس التجمل المتبادر منه ، لأن المستفاد من (خُذُوا) هو وجوب الأخذ ، ولباس التجمل مسنون ـ قاله الشهاب ـ وأقول دلّت الآية بما أفاده سبب نزولها على أن الزينة لا تختص ، لغة ، بالجيّد من اللباس كما توهم. وبين ذلك العوفي عن ابن عباس فيما نقلناه.
وفي (التهذيب) : الزينة اسم جامع لكل شيء يتزين به. ومثله في (الصحاح) و (القاموس) وعبارته : الزينة ما يتزين به.
وقال الحراني : الزينة تحسين الشيء بغيره من لبسة أو حلية أو هيئة.