الرابع ـ (العيلة) مصدر من (عال) بمعنى افتقر. قرئ (عائلة). وهو إما مصدر بوزن فاعلة ، أو اسم فاعل صفة لموصوف مؤنث مقدر ، أي حالا عائلة ، أي مفقرة.
قال ابن جني : هذه من المصادر التي جاءت على فاعلة ، كالعاقبة والعافية. ومنه قوله تعالى (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) [الغاشية : ١١] ، أي لغوا ومنه قولهم : مررت به خاصة ، أي خصوصا وأما قوله تعالى : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) [المائدة : ١٣] فيجوز أن يكون مصدرا ، أي خيانة ، وأن يكون على تقدير : نية أو عقيدة خائنة. وكذا ها هنا يقدر : إن خفتم حالا عائلة انتهى.
الخامس ـ إن قيل : ما وجه التعليق بالمشيئة في قوله تعالى (إِنْ شاءَ) مع أن المقام وسبب النزول ، وهو خوفهم الفقر ، يقتضي دفعه بالوعد بإغنائهم من غير تردد؟ فالجواب : أن الشرط لم يذكر للتردد ، بل لبيان أنه بإرادته لا سبب له غيرها ، فانقطعوا إليه ، واقطعوا النظر عن غيره. ولينبّه على أنه متفضل به ، لا واجب عليه ، لأنه لو كان بالإيجاب لم يوكل إلى الإرادة ، فلا يقال إن هذا لا حاجة إلى أخذه من الشرط ، مع قوله تعالى : (مِنْ فَضْلِهِ) لأن قوله (مِنْ فَضْلِهِ) يفيد أنه عطاء وإحسان ، وهذا يفيد أنه بغير إيجاب ، وشتان بينهما ، وقيل إنه للتنبيه على أنه بإرادته ، لا بسعي المرء وحيلته :
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني |
|
بنجوم أقطار السّماء تعلّقي |
كذا في (العناية).
القول في تأويل قوله تعالى :
(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩)
(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) اعلم أنه لما ذكر تعالى حكم المشركين في إظهار البراءة من عهدهم ، وفي إظهار البراءة عنهم في أنفسهم ، وفي وجوب مقاتلتهم ، وفي تبعيدهم عن المسجد الحرام وعدم