وقال المغيرة لعامل كسرى : أمرنا نبيّنا أن نقاتلكم حتى تعبد الله أو تؤدي الجزية.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقريش (١) : هل لكم في كلمة تدين لكم بها العرب ، وتؤدي العجم إليكم بها الجزية؟ قالوا : ما هي : قال : لا إله إلا الله.
ثم ذكر ابن القيم رحمهالله أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم (٢) صالح أهل نجران على ألفي حلة ، النصف في صفر ، والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين ، وعارية ثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين بعيرا ، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح ، يغزون بها ، والمسلمون ضامنون بها ، حتى يردوها عليهم ، إن كان باليمن كيدة أو غدرة. وعلى ألا يهدم لهم بيعة ، ولا يخرج لهم قسّ ، ولا يفتنوا عن دينهم ، ما لم يحدثوا حدثا ، أو يأكلوا الربا.
ولما وجه (٣) صلىاللهعليهوسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل محتلم دينارا ، أو قيمته من ثياب. وفي هذا دليل على أن الجزية غير مقدرة الجنس ، ولا القدر ، بل يجوز أن تكون ثيابا وذهبا وحللا ، وتزيد وتنقص بحسب حاجة المسلمين ، واحتمال من تؤخذ منه ، وحاله في الميسرة ، وما عنده من المال. ولم يفرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا خلفاؤه في الجزية بين العرب والعجم. بل أخذها رسول الله صلىاللهعليهوسلم من نصارى العرب ، وأخذها من مجوس (٤) هجر. وكانت مدينة قاعدة البحرين ، وكان أهلها عربا ، فإن العرب أمة ليس لها في الأصل كتاب. وكانت كل طائفة تدين بدين من جاورها من الأمم ، فكانت عرب البحرين مجوسا لمجاورتها فارس وتنوخ وبهرا. وبنو تغلب نصارى لمجاورتهم للروم. وكانت قبائل من اليمن يهود ، لمجاورتهم ليهود اليمن. فأجرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحكام الجزية ، ولم يعتبر آباءهم ، ولا متى دخلوا في أهل الكتاب ، هل كان دخولهم قبل النسخ والتبديل أو بعده ، ومن أين يعرفون ذلك ، وكيف ينضبط ، وما الذي دل عليه؟ وقد ثبت في السير والمغازي أن من الأنصار من
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : التفسير ، ٣٨ ـ سورة ص ، ١ ـ حدثنا محمود بن غيلان.
وأخرجه في المسند ص ٢٢٧ ج ١ والحديث رقم ٢٠٠٨.
(٢) أخرجه أبو داود في : الخراج والإمارة والفيء ، ٣٠ ـ باب في أخذ الجزية ، حديث ٣٠٤١.
(٣) أخرجه أبو داود في : الزكاة ، ٥ ـ باب في زكاة السائمة حديث رقم ١٥٧٦.
(٤) أخرجه البخاري في : الجزية والموادعة ، ١ ـ باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب ، حديث ١٤٩١ و ١٤٩٢ و ١٤٩٣.