ثم قال السيوطي : واستدل بالآية من قال : إن أهل الذمة يتركون في بلد أهل الإسلام ، لأن مفهومها الكف عنهم عند أدائها ، ومن الكف ألا يجلوا. ومن قال لا حدّ لأقلها ، ومن قال هي عوض حقن الدم لا أجرة الدار. انتهى.
الخامس ـ روى أبو عبيد في كتاب (الأموال) عن ابن شهاب قال : أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب ، أهل نجران ، وكانوا نصارى.
السادس ـ قال أبو عبيد : ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب ، وعلى المجوس بالسنّة.
وقال ابن القيّم : لما نزلت آية الجزية أخذها صلىاللهعليهوسلم من ثلاث طوائف : من المجوس واليهود والنصارى ، ولم يأخذها من عباد الأصنام. فقيل : لا يجوز أخذها من كافر غير هؤلاء ، ومن دان بدينهم اقتداء بأخذه وتركه ، وقيل : بل تؤخذ من أهل الكتاب وغيرهم من الكفار وهم كعبدة الأصنام من العجم ، دون العرب والأول قول الشافعيّ وأحمد (في إحدى روايتيه) ، والثاني قول أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى. وأصحاب القول الثاني يقولون : إنما لم يأخذها من مشركي العرب لأنها إنما نزلت فرضيتها بعد أن أسلمت دارة العرب ، ولم يبق فيها مشرك ، فإنها نزلت بعد فتح مكة ، ودخول العرب في دين الله أفواجا ، فلم يبق بأرض العرب مشرك ، ولهذا غزا بعد الفتح تبوك ، وكانوا نصارى ، ولو كان بأرض العرب مشركون لكانوا يلونه ، وكانوا أولى بالغزو من الأبعدين. ومن تأمل السير وأيام الإسلام ، علم أن الأمر كذلك ، فلم تؤخذ منهم الجزية ، لعدم من يؤخذ عنه ، لا لأنهم ليسوا من أهلها. قالوا : وقد أخذها من المجوس فليسوا بأهل كتاب. ولا يصح أنه كان لهم كتاب ورفع ، وهو حديث لا يثبت مثله ، ولا يصح سنده. ولا فرق بين عبادة النار ، وعبادة الأصنام. بل أهل الأوثان أقرب حالا من عباد النار. وكان فيهم من التمسك بدين إبراهيم ما لم يكن في عباد النار ، بل عباد النار أعداء إبراهيم الخليل. فإذا أخذت منهم الجزية فأخذها من عباد الأصنام أولى. وعلى ذلك تدل سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كما ثبت في صحيح مسلم (١) أنه قال : إذا لقيت عدوّك من المشركين ، فادعهم إلى إحدى خلال ثلاث ، فأيتهن أجابوك إليها ، فاقبل منهم. وكف عنهم. ثم أمره أن يدعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو يقاتلهم.
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الجهاد ، حديث ٣ عن بريدة بن الحصيب.