لما ملكت الريح تصريف السحاب ، جعل لها سلطان عليه. وإما بمعنى النعمة ، أي عن إنعام عليهم بذلك ، لأن قبول الجزية ، وترك أنفسهم عليهم ، نعمة عليهم.
قال الناصر في (الانتصاف) : وهذا الوجه أملى بالفائدة.
وإما بمعنى الغنى ، حكاه في (العناية) ، ونقله (التاج) من معاني اليد.
وقوله تعالى : (وَهُمْ صاغِرُونَ) أي أذلاء.
تنبيهات :
الأول ـ قوله تعالى : (عَنْ يَدٍ) إما حال من الضمير في (يُعْطُوا) أو من الجزية أي مقرونة بالانقياد ، ومسلمة بأيديهم ، وصادرة عن غنى ، ومقرونة بالذلة ، وكائنة عن إنعام عليهم. كذا في (العناية).
الثاني ـ قال السيوطي في (الإكليل) : هذه الآية أصل قبول الجزية من أهل الكتاب.
الثالث ـ قال أيضا : استدل من قال بأن معنى اليد فيما تقدم ، الغنى ، أنها لا تجب على معسر. ومن قال بأنه لا يرسل بها ، على أنه لا يجوز توكيل مسلم بها ، ولا أن يضمنها عنه ، ولا أن يحيل بها عليه.
الرابع ـ قال السيوطي أيضا : استدل بقوله تعالى : (وَهُمْ صاغِرُونَ) من قال إنها تؤخذ بإهانة ، فيجلس الآخذ ، ويقوم الذمي ويطأطئ رأسه ، ويحني ظهره ، ويضعها في الميزان ، ويقبض الآخذ لحيته ، ويضرب لهزمتيه. قال : ويردّ به على النووي حيث قال : إن هذه سيئة باطلة. انتهى.
قلت : ولقد صدق النووي عليه الرحمة والرضوان ، فإنها سيئة قبيحة ، تأباها سماحة الدين ، والرفق المعلوم منه. ولو لا قصد الرد على من قاله لما شوهت بنقلها ديباجة الصحيفة.
ثم رأيت ابن القيّم رد ذلك بقوله : هذا كله مما لا دليل عليه ، ولا هو من مقتضى الآية ، ولا نقل عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا عن أصحابه. قال : والصواب في الآية أن الصغار هو التزامهم بجريان أحكام الله تعالى عليهم ، وإعطاء الجزية ، فإن ذلك هو الصغار ، وبه قال الشافعي. انتهى.